قصيدة : أبو جهل يشتري(فليت ستريت)ا
-1-
هل اختفت من لندنٍ؟
باصاتها الجميلة الحمراء
وصارت النوق التي جئنا بها من يثربٍ
واسطة الركوب,
في عاصمة الضباب؟
-2-
تسرب البدو إلى
قصر بكنغهامٍ,
وناموا في سرير الملكه
والإنجليز, لملموا تاريخهم..
وانصرفوا..
واحترفوا الوقوف -مثلما كنا-
على الأطلال....
-3-
ها هم بنو تغلب..
في (سوهو)
وفي (فيكتوريا)..
يشمرون ذيل دشداشاتهم
ويرقصون الجاز...
-4-
هل أصبحت إنجلترا؟
تصحو على ثرثرة البدو..
وسمفونية النعال؟؟
-5-
هل أصبحت إنجلترا؟
تمشي على الرصيف, بالخف.. وبالعقال؟
وتكتب الخط من اليمين للشمال...
سبحانه مغير الأحوال!!
-6-
عنترةٌُ.. يبحث طول الليل, عن روميةٍ
بيضاء كالزبدة..
أو مليسة الفخذين.. كالهلال
يأكلها كبيضةٍ مسلوقةٍ
من غير ملحٍ -في مدى دقيقةٍ-
ويرفعالسروال!!
-7-
لم يبق في الباركات..
لا بطٌ, ولا زهرٌ, ولا أعشاب
قد سرح الماعز في أرجائها
وفرت الطيور من سمائها
وانتصر الذباب...
-8-
ها هم بنو عبسٍ.. على مداخل المترو
يعبون كؤوس البيرة المبرده..
وينهشون قطعةٌ..
من نهد كل سيده...
-9-
هل سقط الكبار من كتابنا
في بورصة الريال؟..
هل أصبحت إنجلترا عاصمة الخلافه؟
وأصبح البترول يمشي ملكاً..
في شارع الصحافه؟؟
-10-
جرائدٌ..
جرائدٌ..
جرائدٌ..
تنتظر الزبون في ناصية الشارع,
كالبغايا...
جرائدٌ, جاءت إلى لندن,
كي تمارس الحريه...
تحولت -على يد النفط-
إلى سبايا...
-11-
جئنا لأوروبا..
لكي نشرب من منابع الحضاره
جئنا.. لكي نبحث عن نافذة بحريةٍ
من بعدما سدوا علينا عنق المحاره
جئنا.. لكي نكتب حرياتنا
من بعد أن ضاقت على أجسادنا العباره
لكننا.. حين امتلكنا صحفاً,
تحولت نصوصنا
إلى بيانٍ صادرٍ عن غرفة التجاره...
-12-
جئنا لأوروبا
لكي نستنشق الهواء
جئنا..
لكي نعرف ما ألوانها السماء؟
جئنا..
هروباً من سياط القهر, والقمع,
ومن أذى داحس والغبراء..
لكننا.. لم نتأمل زهرةً جميلةً
ولم نشاهد مرةً, حمامةً بيضاء
وظلت الصحراء في داخلنا..
وظلت الصحراء...
-13-
من كل صوبٍ.. يهجم الجراد
ويأكل الشعر الذي نكتبه..
ويشرب المداد
من كل صوبٍ.. يهجم (الإيدز) على تاريخنا
ويحصد الأرواح, والأحساد
من كل صوبٍ.. يطلقون نفطهم علينا
ويقتلون أجمل الجياد..
فكاتبٌ مدجنٌ..
وكاتبٌ مستأجرٌ..
وكاتبٌ يباع في المزاد
هل صار زيت الكاز في بلادنا مقدساً؟
وصار للبترول في تاريخنا, نقاد؟؟
-14-
للواحد الأوحد.. في عليائه
تزدان كل الأغلفه
وتكتب المدائح المزيفه..
ويزحف الفكر الوصولي على جبينه
ليلثم العباءة المشرفه..
هل هذه صحافةٌ..
أم مكتبٌ للصيرفه؟؟
-15-
كل كلامٍ عندهم, محرمٌ
كل كتابٍ عندهم, مصلوب
فكيف يستوعب ما نكتبه؟
من يقرأ الحروف بالمقلوب!
-16-
على الذي يريد أن يفوز
في رئاسة التحرير...
عليه.. أن يبوس
في الصباح, والمساء
ركبة الأمير..
عليه.. أن يمشي على أربعةٍ
كي يركب الأمير!!..
-17-
لا يبحث الحاكم في بلادنا
عن مبدعٍ...
وإنما يبحث عن أجير...
-18-
يعطي طويل العمر.. للصحافة المرتزقه
مجموعةً من الظروف المغلقه...
وبعدها..
ينفجر النباح.. الشتائم المنسقه...
-19-
ما لليساريين من كتابنا؟
قد تركوا (لينين) خلف ظهرهم
وقرروا..
أن يركبوا الجمال!!
-20-
جئنا لأوروبا..
لكي ننعم في حرية التعبير
ونغسل الغبار عن أجسادنا
ونزرع الأشجار في حدائق الضمير
فكيف أصبحنا, مع الأيام,
طباخين..
في مضافة الإسكندر الكبير.؟.؟
-21-
كل العصافير التي
كانت تشق زرقة السماء,
في بيروت..
وتملأ الأشجار, والبيادر..
قد أحرق البترول كبرياءها
وريشها الجميل..
والحناجر...
فهي على سقوف لندنٍ..
تموت...
-22-
يستعملون الكاتب الكبير.. في أغراضهم
كربطة الحذاء..
وعندما يستنزفون حبره..
وفكره..
يرمونه, في الريح, كالأشلاء...
-23-
هذا له زاويةٌ يوميةٌ..
هذا له عمود..
والفارق الوحيد، فيما بينهم
طريقة الركوع..
والسجود...
-24-
لا ترفع الصوت.. فأنت آمن
ولا تناقش أبداً مسدساً..
أو حاكماً فرداً..
فأنت آمن..
وكن بلا لونٍ, ولا طعمٍ, ولا رائحةٍ..
وكن بلا رأيٍٍ..
ولا قضيةٍ كبرى..
فأنت آمن..
واكتب عن الطقس,
وعن حبوب منع الحمل -إن شئت-
فأنت آمن..
هذا هو القانون في مزرعة الدواجن..
-25-
كيف ترى, نؤسس الكتابة؟
في مثل هذا الزمن الصغير
والرمل في عيوننا
والشمس من قصدير
والكاتب الخارج عن طاعتهم
يذبح كالبعير...
-26-
أيا طويل العمر:
يا من تشتري النساء بالأرطال..
وتشتري الأقلام بالأرطال..
لسنا نريد أي شيءٍ منك...
فانكح جواريك كما تريد..
واذبح رعاياك كما تريد..
وحاصر الأمة بالنار.. وبالحديد..
لا أحدٌ..
يريد منك ملكك السعيد..
لا أحدٌ يريد أن يسرق منك جبة الخلافه..
فاشرب نبيذ النفط عن آخره..
واترك لنا الثقافه....
صاحب القصيدة في سطور:ا
ولد نزار توفيق قباني في مدينة دمشق لأسرة من أصل تركي، في 21 مارس 1923. حيث قدم جده من مدينة قونية التركية ليستقر في دمشق، عمل أبوه في صناعة الحلويات وكان يساعد المقاومين في نضالهم ضد الفرنسيين – في عهد الانتداب الفرنسي لسوريا - عمه أبو خليل القباني رائد المسرح العربي, ومن أوائل المبدعين في فن المسرح العربي.
أنجب توفيق قباني ستة أبناء: نزار ، رشيد ، هدباء ، معتز ، صباح ووصال التي ماتت في ريعان شبابها أما صباح فهو ما زال حياً، وكان يشغل منصب مدير الإذاعة السورية .حصل نزار على البكالوريا من مدرسة الكلية العلمية الوطنية بدمشق، ثم التحق بكلية الحقوق بالجامعة السورية وتخرّج فيها عام 1945. عمل فور تخرجه بالسلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية السورية ، وتنقل في سفاراتها بين مدن عديدة ، خاصة القاهرة ولندن وبيروت ومدريد، وبعد إتمام الوحدة بين مصر وسوريا عام 1959، تم تعيينه سكرتيراً ثانياً للجمهورية المتحدة في سفارتها بالصين. وظل نزار متمسكاً بعمله الدبلوماسي حتى استقال منه عام 1966.ا
طالب رجال الدين في سوريا بطرده من الخارجية وفصله من العمل الدبلوماسي في منتصف الخمسينات، بعد نشر قصيدة الشهيرة " خبز وحشيش وقمر" التي أثارت ضده عاصفة شديدة وصلت إلى البرلمان. كان يتقن اللغة الإنجليزية ، خاصة وأنه تعلّم تلك اللغة على أصولها ، عندما عمل سفيراً لسوريا في لندن بين عامي 1952- 1955.ا
بدأ نزار يكتب الشعر وعمره 16 سنة ، وأصدر أول دواوينه " قالت لي السمراء " عام 1944 وكان طالبا بكلية الحقوق، وطبعه على نفقته الخاصة. له عدد كبير من دواوين الشعر، تصل إلى 35 ديواناً، كتبها على مدار ما يزيد على نصف قرن أهمها " طفولة نهد، الرسم بالكلمات، قصائد، سامبا، أنت لي ".ا
لنزار عدد كبير من الكتب النثرية أهمها: " قصتي مع الشعر، ما هو الشعر، 100 رسالة حب ".ا
أسس دار نشر لأعماله في بيروت تحمل اسم " منشورات نزار قباني". اشتهر شعره بتميز واضح وابداع متأثرا بكل ما حوله فكتب عن المرأة الكثير، كان لانتحار أخته بسبب رفضها الزواج من رجل لا تحبه، أثر عميق في نفسه وشعره، فعرض قضية المرأة و العالم العربي في العديد من قصائده، رافضا شوفينية الرجال. نقلت هزيمة 1967 شعر نزار قباني نقلة نوعية : من شعر الحب إلى شعر السياسة والرفض والمقاومة.ا
تغنى بشعره مجموعة من المطربين:ا
أم كلثوم : غنت له أغنيتين : أصبح عندي الآن بندقية ، رسالة عاجلة إليك، من ألحان عبد الوهاب .ا
عبد الحليم أغنيتين أيضاً هما : رسالة من تحت الماء ، وقارئة الفنجان من ألحان محمد الموجي.ا
نجاة : 4 أغان أيضاً ، ماذا أقول له ، كم أهواك ، أسألك الرحيلا والقصائد الأربع لحنها عبد الوهاب .ا
فايزة أحمد : قصيدة واحدة هي : رسالة من امرأة " من ألحان محمد سلطان -
فيروز: غنت له " وشاية " لا تسألوني ما اسمه حبيبي " من ألحان عاصي رحباني -
ماجدة الرومي: 3 قصائد هي : بيروت يا ست الدنيا ، مع الجريدة وهما من ألحان د. جمال سلامه، ثم " كلمات " من ألحان الملحن اللبناني إحسان المنذر
كاظم الساهر : 4 قصائد : " إني خيّرتك فاختاري ، زيديني عشقاً ، علّمني حبك ، مدرسة الحب، وكلها من الحان كاظم الساهر
أصالة : غنت له قصيدة " إغضب " التي لحنها حلمي بكر -
كانت حياة نزار مليئة بالصدمات والمعارك ، أما الصدمات فأهمها:- وفاة شقيقته الصغرى : وصال ، وهي ما زالت في ريعان شبابها بمرض القلب -
وفاة أمه التي كان يعشقها .. كان هو طفلها المدلّل وكانت هي كل النساء عنده -
- وفاة ابنه توفيق من زوجته الأولى .. كان طالباً في كلية الطب بجامعة القاهرة .. وأصيب بمرض القلب وتوفيق لم يتجاوز 17 عاماً.ا
مقتل زوجته : بلقيس الراوي " العراقية في حادث انفجار السفارة العراقية ببيروت عام 1982
نكسة 1967 .. أحدثت شرخاً في نفسه ، وكانت حداً فاصلاً في حياته ، جعله يخرج من مخدع المرأة إلى ميدان السياسة
أما عن المعارك فيمكننا أن نقول ، انه منذ دخل نزار مملكة الشعر بديوانه الأول " قالت لي السمراء " عام 1944 ، وحياته أصبحت معركة دائمة أما عن أبرز المعارك التي خاضها وبمعنى أصح الحملات التي شنها المعارضون ضده:ا
- معركة قصيدة " خبز وحشيش وقمر " التي أثارت رجال الدين في سوريا ضده ، وطالبوا بطرده من السلك الدبلوماسي ، وانتقلت المعركة إلى البرلمان السوري وكان أول شاعر تناقش قصائده في البرلمان.ا
- معركة " هوامش على دفتر النكسة " .. فقد أثارت القصيدة عاصفة شديدة في العالم العربي ، وأحدثت جدلاً كبيراً بين المثقفين .. ولعنف القصيدة صدر قرار بمنع إذاعة أغاني نزار وأشعاره في الإذاعة والتلفزيون.ا
في عام 1990 صدر قرار من وزارة التعليم المصرية بحذف قصيدته " عند الجدار " من مناهج الدراسة بالصف الأول الإعدادي لما تتضمنه من معاني غير لائقة .. وقد أثار القرار ضجة في حينها واعترض عليه كثير من الشعراء في مقدمتهم محمد إبراهيم أبو سنة ..ا
بعد مقتل بلقيس ترك نزار بيروت وتنقل في باريس وجنيف حتى استقر به المقام في لندن التي قضى بها الأعوام الخمسة عشر الأخيرة من حياته.ا
ومن لندن كان نزار يكتب أشعاره ويثير المعارك والجدل ..خاصة قصائده السياسة خلال فترة التسعينات مثل : متى يعلنون وفاة العرب ، والمهرولون ، والمتنبي ، وأم كلثوم على قائمة التطبيع.ا
وافته المنية في لندن يوم 30/4/1998 عن عمر يناهز 75 عاما.ا