في طفولتي عشت في حيرة من أمر سلوك أبي. لا..لا.. لم يكن قاسيا علي، بل على العكس من ذلك تماما، إنه في غاية اللطف والتسامح معنا جميعا.. غير أن سكان الحي جميعهم يرون في أبي عكس ذلك، فهو في نظرهم ذلك الرجل المتغطرس الشرس الذي يخشون الاقتراب منه، ولهذا هم يوقرونه ويحترمونه أكثر من اللازم، في حين ينظرون إلينا على أننا مساكين ابتلينا بأب فظ غليظ الأشواك وأخيرا تشجعت ذات يوم وسألت والدي عن هذا السلوك المزدوج، فاستلقى على قفاه من شدة الضحك قبل أن يقول:" من غير شك أنهم سألوك:" لماذا والدك لا يحضر معنا صلاة الجمعة..؟ " فأجبته وأنا أحرك رأسي:" نعم.. نعم.. وأجبتهم بأنني لست أدري.." فقال لي:" طبعا، هم يعتبرونني لا علاقة لي لا بالناس ولا بخالق الناس.. فأنا في نظرهم خشن الطباع، والأفضل أن يبتعدوا عني.." فأسرعت بسؤاله:" ألهذا يطلقون عليك: القنفذ..؟" فأجابني وهو يضحك:" تماما.. " ثم تنهد قبل أن يتمم:" سلوكي هذا كان نتيجة تجارب عديدة، فسلوكي الذي تعرفونه كان في السابق يجعلني أمام الناس سهل التجاوز، وبذلك كانت تضيع حقوقي، وأحينا كرامتي التي يدوسونها بكل يسر.. لهذا عندما انتقلت إلى السكن بهذا الحي البعيد وأنتم صغار فكرت في أن أختار سلوكا يضمن لي حقوقي وكرامتي.. فاخترت سلوك القنفذ لأن جميع الحيوانات تبتعد منه خوفا من أشواكه.." فما كان مني إلا أن عانقته وأنا أقبِّله، فلقد استرحت أخيرا.ا