حول الخطاب والممارسة السياسين عند أقطاب العدالة والتنمية طراقي الحسين
أعلن بن كيران عن فحوى الخطاب السياسي المراد استعماله من طرفه مباشرة بعد استقباله من طرف الملك وتعيينه كرئيس للحكومة بمدينة ميدلت التي أدين رئيس مجلسها البلدي المنتمي لحزبه، حزب العدالة والتنمية، بعدما تم ضبطه متلبسا بتلقي الرشوة. يومها، خرج منتشيا بفوزه بالمقابلة عوض منافسيه في الحزب ومركزا في حديثه أساسا حول "النكتة الحامضة" التي حكاها أثناء اللقاء. وكانت هذه النكتة بمثابة أولى الخطوات على درب تمييع الخطاب السياسي والنزول به إلى الدرك الأسفل وصياغته في قالب خاص يوحي بما تحبل به ساحة جامع الفنا من سكيتشات وحلقات كوميدية مضحكة غرضها الإثارة والضحك على ذقون المغاربة وصرف اهتمامهم بالمشاكل الحقيقية التي يتخبطون فيها. ومنذ ذلك التاريخ وهو منهمك في تطوير أدائه على صعيد تمرير خطابات لا لون ولا طعم لها يستقيها من مرجعيته الدينية تارة ومن عالم الحيوانات والإنس والجن في أحايين أخرى مما أثر على باقي قياديي حزبه الذين أخذوا على عاتقهم الترويج للخطاب المنحط المعتمد من لدن أمينهم العام. فكيف لا يتهافت هؤلاء على اللغة التي ابتكرها زعيمهم ومنظرهم ربما؟ وفي رمشة عين، استطاعوا أن يوحدوا خطابهم بالاغتراف من قاموس رئيسهم الغارق في الإحالات على كائنات وأحداث لا يعرف مدلولها إلا هو وأتباعه لو تفضل وصارحهم بمعناها طبعا مع السماح لغيره ببعض "الاجتهادات" التي تندرج في نفس السياق التمييعي والضبابي والمجرد.ا وقد لجأ بن كيران إلى هذه الحيلة، حسب أغلبية المحللين السياسيين، للتغطية عن عجز حكومته نصف الملتحية على إيجاد حلول لمشاكل المواطنين بل وفي ظل تخلي حزبه نهائيا عن وعوده إبان الحملة الانتخابية بالإضافة إلى إثقال كاهل المواطنين من خلال الزيادات في أثمان المحروقات وما ترتب عنها من زيادات في أسعار المواد الغذائية والنقل ... فالهدف من اعتماد لغة الضحك والبهتان، كما يبدو، هو متعدد المقاصد. في المقام الأول، ينتصب هدف صرف أنظار المواطنين عن العجز التام بشأن إصلاح الأوضاع المعيشية للمواطنين. فيما يتمثل الهدف الثاني في دفع المواطنين ليصابوا ب"مرض النسيان" ويتناسوا كل الوعود الكاذبة التي أغذقها عليهم أقطاب حزب العدالة والتنمية بسخاء منقطع النظير في الانتخابات التشريعية ل25 نونبر 2011 والتي تيقنوا، بعد تحملهم المسؤوليات الحكومية، أنها عبارة عن سراب بالنظر إلى استحالة تحقيقها في الزمن المنظور. أما الهدف الثالث، فيتعلق ب"تخديرهم" لكي يتقبلوا عن "طيب خاطر" وب"صدر رحب" في مناخ سياسة تقشفية طاحنة ترسانة "الإصلاحات" المنتظرة بالنسبة لصندوق المقاصة ونظام التقاعد والزيادة في أسعار الماء والكهرباء ... بينما يتمثل المقصد الرابع في الحفاظ على كثلته الناخبة قصد التهديد والوعيد بناء عليها ضد الأطراف المنتقدة والمنافسة للحزب ولممارسة الضغوطات على النظام عند كل منعرج ليس في صالح ما يخطط له الملتحون. وبالرغم من العدد الهزيل من الأصوات التي حصلوا عليها في الانتخابات التشريعية الأخيرة إذ لم تتجاوز مليونا ومأتي ألف من الأصوات حسب تقدير جامع المعتصم مدير الحملة الانتخابية آنذاك ومدير ديوان بن كيران والمتابع قضائيا في ملفات اختلالات مالية وبالرغم من أنها لا تمثل إلا أقل من 5 % من مجموع المغاربة البالغين سن التصويت والذي يقدر بحوالي 22 مليون نسمة، فإنهم لا يتورعون من التبجح بكونهم يمثلون الشعب المغربي وأنهم منتصرون لا محالة في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة بل أنهم، نتيجة لذلك، يعبرون أن الانتخابات هي عين الديمقراطية ولا مجال للحديث عن ديمقراطية سياسية أو اجتماعية أو ما شابه. المهم هو أن أقل من 5 % من المغاربة البالغين سن التصويت قد صوتوا لصالحهم وهذا العدد، رغم هزالته المريعة، يفوق الأعداد التي حصلت عليها الأحزاب المشاركة في الانتخابات كل على حدة. وبالتالي، فهم في مأمن من التدحرج المبالغ فيه مقارنة مع الخصوم والأعداء في الزمن المنظور حتى وإن أصيبت تلك الكثلة الناخبة بالتآكل مع مر السنين. أما الهدف الأسمى الذي يتوخاه بن كيران وأتباعه، إذن، هو تجريد المغاربة من الإحساس بالمواطنة حتى يتسنى له تنفيذ التوصيات المملات من طرف المؤسسات المالية الدولية دون تسجيل أية ردود أفعال من لدن المواطنين. ألم يعلن بن كيران عن افتخاره بتمرير الزيادات في أثمان المحروقات ولم تسجل أية احتجاجات مهمة؟ وكان استنتاجه المتسرع وغير المنطقي على أقل تقدير هو أن المغاربة يوافقون على المبادرات والتدابير التي يقدم عليها ... الأمر الذي حذا به إلى إدراج الاقتطاعات من رواتب الموظفين المضربين ضمن إنجازات حكومته. لذلك، فإنه يواصل اشتغاله بقاموسه المنحط والمحنط سيما وأن خطابه يتلقى صدى خطابات مشابهة لمنافسين آخرين لا ناقة ولا جمل لهم بالعمل السياسي النبيل والمساهم في تربية وتكوين المغاربة على قيم المواطنة لكي يكونوا على علم بمصالحهم ومصالح الوطن على السواء.ا لقد أكثر الملتحون من الكلمات المستوحات من الدين مثل العفاريت لعلهم يقصدون الجن من قولهم هذا، والحيوانات كالتماسيح وهو قول مردود عليه لكون حزبهم هو الذي يلعب على وتر الضحية منذ أن اتخذ لبوس حركة عبد الكريم الخطيب المخزني حتى النخاع، والحياحة والتشويش والمشوشين ... والضفادع الصماء على حد قول الشوباني، والخشيبات حسب الوزيرة الوحيدة ... وفي المقابل، توصلوا بردود فعل عديدة تنصح المسكونين بالعفاريت بالتوجه إلى بويا عمر ومن يتكلم عن الحياحة باتقاء شر الحلوف ... ومؤخرا تحدث المتشدد بوانو عن أدوات التحكم بمناسبة رده على لشكر وعلى الرويسي وحين صنف الملك وحزبه كقوة إصلاحية في مواجهة التيار المناهض للإصلاح غير المحدد من طرفه غير أن حزب التقدم والاشتراكية بشكل مؤكد لا يندرج ضمن هذا التيار نظرا لارتمائه في أحضان حزبهم ... فكيف يمكننا أن نصدق بوانو ونقبل حكاية الحزب الإصلاحي الذي تحدث عنه عندما يصرح الشوباني بأن "حزبه لم يخض فعلا صراعا مع الدولة ولم يسقط فيه شهداء". فحسب ما ذكره بوانو، ليس هناك أي معنى لخوض صراع مع الدولة إذا كانت الملكية هي ما يقصد بها مادامت إصلاحية هي كذلك. وبانتفاء أسس الصراع مع الدولة ليس هناك ما يبرر سقوط شهداء من حزب الملتحين. وعليه، يفهم من قول الشوباني أن الأحزاب التي اختارت أن تصارع الدولة هي التي سجلت سقوط الشهداء من بين صفوفها. وهذا لا ينطبق على حزب الملتحين الذين قدموا أوراق اعتمادهم مسبقا لوزير الداخلية السابق ادريس البصري وللديوان الملكي أيضا عبر مراسلات بن كيران لهاتين الجهتين اللتين عملتا على ايجاد التخريجة المناسبة لشرعنة العمل السياسي بالنسبة للملتحين والمناداة على عبد الكريم الخطيب خادم المخزن في أوج سنوات الرصاص واغتيال المناضل التقدمي عمر بنجلون وأمروه بوضع حزبه الخاوي الوفاض الذي ولد ميتا والذي لم يسمع عنه أحد منذ أواسط ستينات القرن الماضي تحت تصرف بن كيران وأصدقائه المنحدرين من الشبيبة الإسلامية. فماذا يمكن انتظاره من حزب تم تفريخه على أيادي المخزن وخدامه؟ لن يكون سوى صاغيا ومؤتمرا بأوامر المخزن كما حدث في شأن تقليص عدد المرشحين للانتخابات التشريعية وإقالة رئيس الفريق البرلماني، وذلك بالرغم عن أنف الشوباني الذي قال أن حزبه "لم يولد من كنف الدولة ولا يتلقى التعليمات". وما دام الأمر على هذا النحو، فمع من تصارع هؤلاء طوال مسارهم السياسي؟ كلنا يتذكر الحرب التي أعلنوها على الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية. كما لا تغيب عن أذهاننا مختلف الحملات التي أطلقوها ضد الصحافيين والمسرحيين والسينمائيين بدعوى الإخلال بالأخلاق. وها هم الآن، يصارعون الشعب المغربي في قوته اليومي عن طريق الزيادة في أثمان المحروقات والاقتطاعات من أجور الموظفين المضربين وتفقير الطبقة الوسطى عبر إثقالها بضرائب متتالية في الوقت الذي يتقيدون فيه بعدم المساس بمصالح المترفين من خلال الرفض القاطع للضريبة على الثروة في البرلمان وعدم فرض ضرائب على كبار الملاكين العقاريين والاستغناء على محاربة الفساد بإشهار مقولة "عفا الله عما سلف" ... مما يبين أن صراعهم موجه ضد "الحيط القصير" أي الشعب المغربي الذي يتلقى الضربات تلو الأخرى وينتظر منه، علاوة على ذلك، تحمل العديد من المواقف المذلة ومنها "تزيار السمطة" والتحلي بالصبر وضبط النفس وفي الأخير ... التصويت على الملتحين في المعارك الانتخابية المقبلة.ا ثم، إذا كان الإصلاح، في نظر التقدميين، يهدف إلى تحسين ظروف عيش المواطنين ويسير في اتجاه التاريخ أي في اتجاه إرساء دعائم الديمقراطية الحقيقية، ما هو المدلول الفعلي للإصلاح عند الإسلاميين؟ على مستوى تحسين الأوضاع المعيشية للجماهير الشعبية، قام الإسلاميون، بالعكس، بالتقليص من قدرتهم الشرائية من خلال الرفع من أثمان المحروقات والاقتطاع من رواتب المضربين وفرض ضرائب جديدة على المواطنين ... ويبدو أنهم متحمسون للقضاء على صندوق المقاصة والرفع من سن التقاعد والرفع من أسعار الماء والكهرباء ... وباختصار، هم عازمون على التطبيق الحرفي لتوصيات صندوق النقد الدولي الذي لا يتوانى عن ممارسة ضغوطاته في هذا الاتجاه مما أرغمهم على اقتطاع 15 مليار درهم من ميزانية الاستثمار التي ستتأثر منها خاصة القطاعات الاجتماعية من تعليم وصحة وشغل على وجه الخصوص. وعلى المستوى السياسي والحقوقي، بدأت الأجواء تتلبد وتعود بالذاكرة إلى سنوات الرصاص نظرا للقمع الممنهج والمفرط في العنف المسلط على رقاب جميع فئات المجتمع من دكاترة معطلين، وأطباء , وأئمة، وأساتذة وطلبة وتلاميذ ومواطنين في جل مناطق المغرب ... وصار الوزراء الملتحون يبتلعون كل ما كانوا يصرحون به سابقا. وأصبح المغرب بلدا خاليا من المعتقلين السياسيين في نظر وزير العدل الذي تراجعت الحريات كثيرا في عهده. وتم اعتماد أساليب ملتوية للزج بمناضلي حركة 20 فبراير في السجون وفبركة تهم ملفقة الغرض منها تحويلهم إلى سجناء الحق العام. وبدأ التراجع عن الحقوق النقابية والسياسية بشكل لا قانوني. كما استهدف المثقفون العلمانيون والسينمائيون والمسرحيون والصحافيون ... بينما تضاءلت تمثيلية المرأة في الحكومة والمؤسسات العمومية ... وتعرضت الحقوق الشخصية إلى القضم شيأ فشيأ ... فيما غاب الحوار مع المعارضة سياسيا، والنقابات اجتماعيا، وكتاب الضبط والمحامون والقضاء بالنسبة لملف العدالة ومنظمات المجتمع المدني بالنسبة لشق المجتمع المدني ... بكلمة، في غضون أشهر معدودة، بدأت تتضح معالم الطريق المختارة والمتوخاة من طرف الملتحين للانقضاض على المكاسب السياسية والنقابية والحقوقية والثقافية للشعب المغربي من أجل تطويعه والزج به في غياهب الفكر الرجعي والتسلطي الذي يدعون إليه ويسهرون على ترويجه بشتى الوسائل والأساليب.ا ومقابل شن الهجوم على الشعب المغربي في أوضاعه الاجتماعية والحقوقية والسياسية والنقابية والثقافية، لجأ الملتحون إلى سياسة "السلم" والاستسلام تجاه المترفين وعملوا على إيجاد المبررات الواهية لعدم المساس بمصالحهم من خلال معارضة سن ضريبة عن الثروة وضريبة فلاحية ... وسكتوا عن محاربة الفساد والاستبداد الذي كان الشعار المركزي لحملتهم الانتخابية ووجدوا مبررات لعدم معارضة مهرجان موازين فيما قاله بوانو من كون أن هذا "المهرجان له جمهوره" ... كل ما هنالك هو أن الملتحين قد تدوقوا طعم المناصب الوزارية واستطابوها وهم غير مستعدين لمغادرتها رغم التلويحات الكثيرة التي صدرت من طرف وزرائهم ورئيس حكومتهم كذلك في فترات ومحطات معينة. وهم الآن منشغلون أيما انشغال بتوطين عناصرهم بمختلف المؤسسات العمومية وفقا ل"ما لبن كيران" وتطبيقا ربما لما سبق أن فاه به رئيسهم السابق الريسوني من كون الملحدين يعشعشون في الإدارات ولذا وجب طردهم وشغل مناصبهم ليتأتى للملتحين القبض بزمام الأمور بهذه الإدارات. ولهذا الغرض، وفي نظرهم، يجوز ملء الدواوين الوزارية بالملتحين الذين استفادوا من المغادرة الطوعية وأفراد العائلة زوجات وأبناء وبنات وإغداق الأموال و"البريمات" عليهم ... كما يجوز إغراق الإدارات العمومية بالعناصر الملتحية تمهيدا للسيطرة على دواليبها ...ا هكذا بدت بعض ملامح تصور العمل السياسي لدى الملتحين خلال الأشهر المعدودة التي قضوها في الحكومة وبدا أن هاجسهم الأساسي هو الحفاظ على تواجدهم في الحكومة بكل الوسائل وكذلك الحرص على تعيين أكبر عدد من عناصرهم في مناصب عليا في المؤسسات العمومية ليتسنى لهم فرض هيمنتهم عليها في وقت لاحق. وهنا يكمن سر الإسراع في تحضير القانون المتعلق بالتعيين في المؤسسات العمومية في الوقت الذي ما تزال الحكومة تعمل فيه بدون قانون تنظيمي يحدد مهام وصلاحيات كل وزارة. هذا عدا عما يتضمنه الدستور من قوانين تنظيمية من أجل تفعيله. إن ما يهم الملتحين، بعبارة أوضح، هو العمل على ضمان شروط بقائهم في الحكومة ووضع أياديهم على المواقع الحساسة في الإدارة المغربية، وذلك من خلال عدم الاصطدام مع الدولة ومع المترفين طبقا لما سماه بن كيران ب"التغيير في ظل الاستقرار" ما دام الاستقرار في نظره يختزل في عدم المس بمصالح الباطرونا والملاكين العقاريين الكبار ومقاولي العقار ... بالإضافة إلى العمل على إرضاء فئة من المغاربة التي ساهمت زلة لسان لبن كيران بالبوح بها حين أعلن في البرلمان عما مضمونه "أننا نعمل مع من صوتوا علينا". وتلك هي الطامة الكبرى التي تلخص النظرة الضيقة للقائمين على الشأن الحكومي ببلدنا والذين لا يتجاوز أفقهم المنتمين لحزبهم والمتعاطفين معهم فيما تظل الغالبية العظمى للمغاربة خارج اهتماماتهم بدعوى عدم التصويت عليهم. فهذا منتهى العمى السياسي باعتباره يقزم المغرب إلى أقصى درجة بحيث يعتبره مكون فقط من حزب الملتحين والمتعاطفين معهم. وهذا ما عبر عنه أفتاتي مؤخرا لما تكلم عن "حزب العدالة والتنمية والأحزاب الأخرى" في معرض حديثه عن الوضع السياسي. مما يعني أن الغرور قد طال الملتحين إلى الحد الذي لا يتراءى لهم سوى حزبهم برصيده وهو 5 % من أصوات المغاربة البالغين سن التصويت وكذا المغاربة الذين صوتوا عليهم في هذا الوطن العزيز. أما الأغلبية القصوى من المغاربة، فلا تدخل في مجال اهتمامهم. أما الأحزاب الأخرى مجتمعة، فليست بنفس وزن وجماهيرية الحزب الملتحي. وبه وجب الإعلام والسلام