كثيرا ما نسمع في حوارات وندوات نقاشا حول العلمانية وكثيريتحدثون عن أنها منافية للإسلام. ومن منظوري الخاص يجب تحيين بعض المفاهيم المستوردة لمعنى العلمانية وذلك بالرجوع إلى أصول إنتاج هذا المصطلح ليسهل وضع تصور ممكن للتوفيق بينه وبين الإسلام. والحافز لذلك هو كون جميع المجتمعات تعرف صراعا بين حاملي افكار متزمتة من كلا الجانبين. فالعلماني لا يقبل الإسلامي وهذا الأخير بدوره لا يقبل الأول، مما ينتج عنه نفاق اجتماعي في حالة فرضت الظروف أحدهما على الآخر. والأجدر بنا أن نتصارح ونتعاون من أجل بناء مجتمع صالح للعيش في سلام وننظر إلى المستقبل بمنظور واحد، خدمة للإنسانية التي هي هدف كل المبادئ المكونة لكلا المعنيين. ونتجاوز الخلاف العقيم الذي ينتج عنه ضياع المصلحة العامة لبني البشر. أولا بالإبتعاد عن التزمت والتقوقع وثانيا بالفهم الحقيقي للعلمانية والإسلام حسب ما تتطلبه الظرفية الحالية ما دام الهدف واحدا أي تكريم الإنسان. والداعي للخوض في هذا الموضوع هو الغيرة على الوطن للحفاظ على تماسك حقيقي للمجتمع بعيدا عن كل نفاق وإثارة نقاش من شانه إغناء ما سياتي من افكار تزيد من التقارب بين الأفراد لأن التصور واحد وإن اختلفت الطرق والأفكار. فإذا وضعنا نصب أعيننا خدمة الإنسان سهل علينا التفاهم علمانيين كنا أم إسلاميين. وتكربم الإنسان يتم عبر محاور ثلاث هي: الحرية، العدالة والكرامة.ا ما المعنى الحقيقي لكلمة علمانية؟ إذا فككنا كلمة علمانية نجدها تعني العلم. أي الإعتماد على العلم بعيدا عن المعتقدات الخرافية. وكان هذا المصطلح نتاجا لثورة المجتمعات الأوربية بعد القرون الوسطي التي كانت المعتقدات الدينية هي السائدة فيها، حيث كان رجال الدين يستبدون به (أي الدين)لخدمة مصالحهم. وكثراللإقتتال وانتهاك حقوق الإنسلن باسم الكنيسة. وفي بعض الأحيان كان الإقتتال حتي بين حاملي هذه الديانة بروتستانت أو كاتوليك إذا تصادمت المصالح. في هذه الظروف قامت التورة ضد كل ما هو ديني. ووجد البديل وهو العلم. هكذا ظهرت العلمانية. ومع مرور الزمن نشعبت وانتشرت، ودخلتها أفكار إظافية دون أن تبتعد عن معناها الأول أي ضذ كلما هو ديني. وبهذا المعني دخلت إلى المجتمعات الإسلامية في عصور انحطاطها، خصوصا أيام الإستعمارالذي أراد أن يجعل من نمودجه اللبرالي مثال يحتدى به، نظرا لما أنتجته تجربته من تقدم صناعي وتقافي بحرية التعبير والمعتقد والأفكارواحترام لحقوق الإنسان. وبما أنها وصلتنا في عصور الإنحطاط فقد قبلناها كما كانت في الغرب وأبهرنا بها لدرجة اننا لم نستطع التفكير في المقارنة بين ظروف قيامها في الغرب والسؤال عما إذا لدينا نفس الظروف أم لا. والسؤال عما إذا كان ديننا بنفس الدرجة من ظلم الإنسان مثل ما عليه المسيحية التي حرفها رجال الدين لديهم.ا هذا ما أراده الآخر أن نمحو شخصيتنا كمغاربة ونتبعه في كل شيء وتتيه طريقنا ليقودنا كما يشاء. وهذا ما نحن عليه الآن من انشقاق في المجتمع بين ماهو شرقي وما هو غربي. فلو أنتجنا فكرا وسطيا بالدراسة والتمحيص في المعاني لكان لنا تصورنا الخاص بنا بعيدا عن التطرف والمغالات في الإتجاهين. ففكرنا يتجاذبنه تياري الإسلام بمداهبه الآتية من الشرق والعلمانية بحكم جوارنا للغرب. لذا أدعو إلى ترك الغلو من الجانبين لما يؤدي إليه من صراع تضيع به المصالح، والجلوس للنقاش الهادئ والهادف لتلاقح الأفكار وإنتاج نمودج خاص بنا يفتح لنا الطريق للعمل المنتج خدمة لمجتمعنا بعيدا عن الأفكار المستوردة شرقا وغربا.ا لو تدارسنا الإسلام بعيدا عن المستورد الذي يعتمد عن المظاهر، لوجدنا في عمقه أنه يدعو إلى تكريم الإنسان. يترك له الحرية في الإختيار. الم يكن اليهود والفرس والمسيحيين ضمن الدولة الإسلامية أيام التوسع؟ كيف كان تعامل الخلفاء معهم؟ كانوا يتركون لهم الإختيار بين الدخول في الإسلام أو البقاء على دينهم شريطة دفع الجزية. فإن دخلوا فرض عليهم واجب الدفاع والمشاركة قي الحروب، أما إن اختاروا دفع الجزية فلا يفرض عليهم ترك دينهم ولا يشاركون في الحرب ووجب على الأمة حمايتهم. ولا يدفعها إلا من استطاع. وهذا من مبادئ العلمانية أي حرية الإختيار.ا العلم: الإسلام لا يضع حدا لتعلم العلم، فهو يدعو إلى تحريه في أي مكان (تعلموا العلم ولو في الصين) وفي أي سن (تعلموا العلم من المهد إلى اللحد) "يامعشر الجن والإنس إن استطعتم أن نتفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا نتفذون إلا بسلطان"(سورة الرحمان)، "إنما يخشى الله من عباده العلماء"بل أنه يعطي تفاسير علمية لبعض الظواهر كمراحل نمو الجنين وسرعة الضوء في الإسراء والمعراج وفي قصة سليمان. هذه بعض الأمثلة التي تبين مكانة العلم في الإسلام. ولا أريد الدخول في التفصيل لأن الغرض هو الوصول إلى توضيح فكرة هذا الموضوع والتي مفادها أن كل من الإسلام والعلم هدفهما خدمة الإنسان في معاشه، وما الوعد والوعيد الوارد في الدين إلا دعوة الإنسان للإستقامة خدمة للصالح العام. أما العبادات فهي تخص الفرد. وهي لاتساوي الكثير أمام المعاملة. وما يفسر ذلك ما جاء في حديث المفلس وهو كما يلي: طرح الرسول صلى الله عليه وسلم في أحد مجالسه السؤال التالي"أتدرون من المفلس؟"فأجابه بعض الحاضرين أن المفلس هو من لا فلس له ولا درهم. وصحح (ص) بما معناه أن المفلس هو الذي ياتي ربه وقد أخلص في كل عباداته: شهادة، صلاة، صوما، زكاة وحجا، لكن ظلمه للناس كان كثيرا فيمحي كل تلك العبادات فيقدف في النار. ما يمكن استخلاصه مما سبق هو أن الإسلام يولي أهمية قصوى للحياة الإجتماعية بما ينفع الفرد. فلا يبيح الظلم باسمه، وينبذ العداوة بين البشر. "ومن قتل نفسا بغير حق فكأنه قتل الناس جميعا". ما المقصود بالحق هنا؟ هل الإختلاف في العقيدة؟ أظن أنه ليس كذلك. فلو كان كذلك ما ترك الإختيار للفرس بين الإسلام وأداء الجزية. وحق القتل مباح في من يزرع الشقاق والفثنة بين بني البشرليتقاتلوا. وما دون ذلك لا يبيحه. والقبول بالآخرالمختلف والتعايش معه بحرية يغني الفكر الذي يسهل تقدم المجتمع. ومن يريد الإنزواء بما لديه أو فرضه بالقوة والعنف إنما هو من ذوي النفوس المربضة بسبب قلة تجربته و علمه بحقيقة الأشياء. فهو لايقدرعلى إسماع صوته وفرض أفكاره وتجربته بالحوار والتبادل، فيلجأ إلى القوة.ا لذلك لا يجوز لأحد أن يدعي امتلاك الحقيقة ما دامت الحقيقة نسبية في الدين و في العلم. فمتوهم من قال بأن ما فهمه في الدين هو الحقيقة وجاهل من طن أن العلم هو كل شيء بدون أخلاق. ألم ينتج العلم ما بإمكانه تدمير الإنسان؟ والوسطية في كل شيء هي الحل . وللوصول إليها هناك طريق واحدة وهي البحث عن ما يخدم مصلحة الإنسان ويقدر حريته وكرامته ويجعلها فوق كل اعتبار. وإذا رعيناها وجعلناها في حسباننا، علمانيين كنا ام إسلاميين، وجدنا نقطة انطلاقنا وتفاهمنا لأجل غد أفظل.ا أرجو بهده المبادرة البسيطة أن أكون قد وفقت في مسعاي لإيجاد أرضية للنقاش الجاد والمسئول بعيدا عن كل غلو وصراع يؤخر انطلاقتنا. فما نشهده من اقتتال في البلدان الإسلامية إنما سببه التنكر لحق الآخر في المشاركة واعتماد الفكر المنغلق على نفسه. وكوننا نغمض أعيننا على حقيقة تكوين مجتمعاتنا المختلطة والتي تتداخل فيها أطياف متعددة، وحب دواتنا بسبب أنانيتنا، وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة نظرا لجهلنا، يجعلنا نضيع فرصة الإستفادة من هذا التعدد بعدم السماح بتلاقح الأفكار وإنتاج فكر جديد خاص بنا بعيدا عن النمودجين الشرقي المتزمت والغربي ذو اللبرالية المتوحشة. وما احوجنا إلى فكر وسطي يراعي مصلحة الإنسان وحقه في العيش الكريم في سلم اجتماعي دائم. ودليل فشلنا جميعا، وهذا ما أراده الغرب فينا، هو أننا، إسلاميين وعلمانيين نلجأ إلى هذا الأخير لينصرنا ضد أخينا في موطننا. فلماذا إذن يصعب التفاهم بيننا حتى نطلب مساعدة غيرنا؟
تعليقات الزوار
ا 1 - الحسين أيوسف العلمانية هي خلاصة تجارب البشر و ثمرة نضالهم الطويل لكي يتحرروا و يتقدموا. و يتعايشوا في احترام متبادل. لا فرق بين أسود ولا أبيض ولا بين متدين وغير متدين إلا بقدر احترامك للآخر.ا خلط الدين بالدولة (بالسياسة) يفسد الدين و الدولة، حيث يتأول الدين ويطوع خدمة للسياسة ومصالح فئة معينة، كم تستخدم الدولة وكل أجهزتها من أجل المحافظة على الدين كسوط للتحكم في رقاب الناس. وعلى هذا الأساس الدولة الدينية لا يمكن أن تكون هي الحل لكن الحل في العلمانية بمعنى فصل الدين عن الدولة، وليس إنكار الدين، بل يبقى الدين شيء اختياري، يختار الإنسان الدين الذي يشاء للتقرب من خالقة دون وساطة ولا حجر.ا العلمانية غير مرتبطة بتوجه الدولة الاقتصادي لبرالي كان أو اشتراكي، في حين وظيفة الدولة ليست ضمان الجنة للمواطن لكن وظيفتها ضمان الشغل والحق في التمدرس والتعلم، و الحق في العلاج، وضمان حرية التفكير والتعبير وحرية التدين. الخلاصة أن وظيفة الدولة هي ضمان العيش الكريم.ا في الدولة العلمانية حرية الاعتقاد مكفولة. العلمانية لا تعادي الدين حسب تصور الآخرين، بل تكفل حرية الاعتقاد للجميع مع ضمان احترام كل المعتقدات ومعتنقيها، دون اضطهاد. العلمانية ضد محاكم تفتيش العصر الحديث التي تطارد الكتاب و الفنانين وتطليقهم من نسائهم. في العلمانية يتم احترام الآراء مهما اختلفت مع أفكارك، بل حتى وإن لم تعجبك.ا