كتاب "مسالك المعنى": الشجرة وكرة القدم ورموز الأحزاب المغربية
سعيد بن كراد باحث ومترجم مغربي له مساهمات فكرية ونقدية اشهرها "السيمائيات مفاهيمها وتطبيقاتها".. يحلل في هذا الكتاب بعض أنساق الثقافة العربية ورموزها فيدرس علاقة الشجرة بخرق المحظور، ليصل إلى أنها بؤرة حظر، فهي المنبع الأساس لكل المضامين الرمزية المؤدية إلى الفناء. إنها أكبر خزان رموز، وهي تحيل دائما إلى الشكل الحي، فاخضرار الأوراق واصفرارها رمز للتعاقب الزمني، وتكوين الشجرة بؤرة للتلاقح الثلاثي للكون. أنها باطنية من الجذور وسطحية من الجذع وسماوية من خلال الأغصان. من جهة أخرى يشير إيقاد النار من خلال حك غصنين للاحتكاك الرمزي الجنسي بين الذكر والأنثى، كما أن ذروة الشجرة تحيل إلى القضيب الذكري وجذعها يحيل إلى الحوض الأنثوي.ا يعتبر الكاتب أن قرار منع آدم من الاقتراب من الشجرة يتضمن حكمة كبيرة لها علاقة وطيدة بالتذوق والخطيئة والأعضاء الجنسية والهبوط إلى الأرض. الشجرة تحيل من حالة اللاجنسي إلى الجنس من خلال انكشاف السوأتين. الباحث يرجح أن يكون الاقتراب تذوقيا وليس اقتراب أكل مع أن التذوق أكل بالضرورة، القصد هو المتعة لا الاستمرار في العيش. النتيجة هي أن المتعة نقيض للخلود. يستنتج الباحث أن الزمنية انبثقت عن المتعة واكتشافها، وما كان العالم الأرضي ممكنا لولا الخطيئة الأصلية التي استعاضت عنها الحكاية الشعبية بالإساءة.ا يفكك الباحث -أيضا- استيهامات كرة القدم الجنسية والحربية من زاوية ضرورة اللعب وعدم اقتصاره على الأطفال، فاللعب تحرير لطاقة جسمية ونفسية لا يمكن التحكم فيها بحالات الجد وهو ما يطلق عليه أحيانا الترويح عن النفس. كرة القدم محاولة لتصريف مجموعة من الانفعالات بعضها آني وبعضها الآخر اجتماعي وجمعي قديم. ألعاب كرة السلة وكرة اليد وكرة الطائرة لا توفر الكم الانفعالي بسبب محدودية فضاء اللعبة وهو تفسير لشعبية كرة القدم التي تتضمن خزانا من الدلالات؛ منها ما يحيل إلى الحرب واستراتيجيتها وتكتيكاتها والعدوان والبسالة والشهادة والخيانة والحذر ورد فعل الخصم والاحتياط و"تسديد القذائف" و"التقويسات الخادعة" واستحضار عوالم الذبح والقرصنة والمراقبة اللصيقة وتفريغ الشحنات الانفعالية بتبذير الطاقة الزائدة عبر استثارة حالات العدوانية بما يشبه حلقات الزار أو البوح السريري.ا اللعبة تعمل على نقل العدوان من حالته الحقيقية إلى ما يشبه البروفة ومن هذه الإحالات ما يتعلق بالذكورة والأنوثة ومفاهيم الارتواء الجنسي رمزيا. المشاهدة هي فعل استعراضي يؤدي فيه المشاهد دور المتلصص الذي يشبع رغباته بمشاهدة الآخرين ينزعون ثيابهم استعدادا لممارسة فعل جنسي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إسقاط حالات إشباع افتراضية، فهي تستعيد بعض الطقوس البدائية التي كان الناس يتقربون فيها من الآلهة من خلال تنظيم حفلات جنسية جماعية ولذلك تهتز الجماهير طربا لتمرير الكرة بين رجلي الخصم وهو ما يسمى في المعجم الكروي "بالقنطرة الصغيرة" ولها إيحاءات جنسية إخصائية.ا تحفل كرة القدم بالاستيهامات والعلامات الجنسية بدءا من اسمها الأنثوي، و مرورا بمداعبة الكرة من أجل فك تمنعها ودلالها، ومن أجل "معانقة الشباك" و"اختراق المرمى"، لذلك تشبه بعض الأهداف حالات الاغتصاب الجنسي، فالكرة الطائشة التي تدخل دون فرجة أو مداعبة " قذف سريع" ليس فيه متعة كما تحلل بعض أدبيات كرة القدم. وأجمل من عشتار براقعها كما يقول فراس السواح، فعندما تنزع كل البراقع عنها يصاب الناظر إليها بالجنون. وهذا ما يفسر الطابع الذكوري للعبة، الكرة فيها وحدها الأنثى في ميدان الملعب.ا وتحت عنوان الترميز البصري والهوية البصرية يقرأ الباحث رموز الأحزاب المغربية الديماغوجية ويكشف جهل هذه الأحزاب بالرمز الذي يحتاج إلى معرفة التاريخ والأسطورة والحكايات والإسقاطات النفسية والفلسفية، فقد تعاملت الأحزاب مع رموزها المختارة باعتبارها مجموعة من الأدوات التمييزية تتحدر من صلب اليومي المباشر. فبالرغم من امتلاك هذه الرموز لبعض الإحالات الدلالية فأنها لا ترقى إلى امتلاك الرمزية وليست قادرة على إضافة رافد فكري أو الإحالة إلى رموز حضارية.ا لقد تحاشت الأحزاب اختيار الكيانات المجردة مثل الألوان والخطوط و الأشكال الهندسية. وتوهمت وجود تناظر بين رموزها والبيئة، فالإبريق يحيل إلى طقس من طقوس الحياة اليومية للشعب المغربي، والسيارة ترتكز على فكرة السرعة والتقنية المتجددة التي لا تناسب اسم حزب "العهد"، فاسم الحزب يشير إلى انتكاسة ماضوية ويحيل إلى الروابط الفردية والضمير القبلي ويتعارض مع الرمز المتخذ. الحمامة لا تضيف شيئا إلى المضمون الفكري الليبرالي "للتجمع الوطني للأحرار"، فالسلام والخفة والأمل والسعادة مفاهيم بعيدة عن الحزب المذكور وأدبياته وبرامجه حسب معاينة الكاتب! والغزالة تفتقر إلى بعد تجريدي يجعل عشق البيئة والدفاع عنها فلسفة حياتية، فالعودة إلى الطبيعة تعبر عن فلسفة تقدمية وليس انتكاسة حضارية تتملص من التكنولوجيا. وكذلك الأمر بالنسبة للعين والمفتاح والنحلة والنخلة، بدون إنكار قيمها الرمزية المشيرة إلى سياقات تاريخية إلا أنها لا تحيل إلى شعارات الحزب الذي اختارها فرمزية العين اكبر من المراقبة والسهر على مصالح الشعب فقد تكون العين بؤرة لإيحاءات سلبية من قبيل التطيّر والحسد والوشاية والتجسس. وراحة اليد المرفوعة إلى أعلى التي اختارها "الحزب الاشتراكي الديموقراطي" توحي بدلالات متعارضة مثل الاحتكار والقوة والسلطة أو الإدلاء بشهادة أو التسليم وليس السلام والتلويح أو الطهارة كما يراد منها.ا وينكر الباحث وجود روابط حقيقة بين رموز الشمعة والوردةوالمصباح والكتاب والميزان وبين الأحزاب التي اختارتها كهوية بصرية لتصريف الفعل السياسي، فشمعة "اليسار الاشتراكي الموحد" -الموحية بالحلم والاحتراق - تخلط بين الشمعة والشعلة فالشعلة تحيل إلى التطهير والحب والاستنارة، في حين أن الشمعة تشير إلى الاحتراق الهادئ والإلهام والاستشهاد والتضحية. وكتاب "حزب التقدم والاشتراكية" يشير إلى المعرفة والحقيقة الثابتة والصلة بين السماء والأرض وتعاليم الدين وإحالات القلب وانفعالاته والسريرة النقية إذا كان مفتوحا، والنفس الكتومة إذا كان مغلقا، ولا يخلو رمز الكتاب من إحالات سلبية رهيبة مثل العقاب والحساب والنهاية في "يوم القيامة". ومصباح "حزب العدالة والتنمية" يحيل إلى الهداية والدلالة الدينية مع أن الحزب من "أهل الكتاب". وكلاهما، المصباح والكتاب، يحيلان إلى الحقيقة التامة.ا أما وردة حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" الاممي، فتشير إلى النفوس المهذبة العاشقة والنبل وازهى حالات النفس والجسد وهي أيضا رمز الانبعاث والموت وانبثاق الحياة من التضحية. الميزان "رمز حزب الاستقلال" يشير إلى العدل والتوازن والحق وهو مرتبط بالقضاء والتعادلية التي هي مزيج من الأفكار الدنيوية والدينية كإيمان الحزب بالدين ومجموع القيم الاقتصادية لذلك يأتي الرمز كمحاولة للإفلات من أحكام التصنيفات السياسية والوضعية.ا الخلاصة: الرمز أداة تسويق منتوج سياسي وطريقة استحواذ على وجدان الناس وإقناعهم بالإشارة وليس واجهة تزينية كما هو حاصلا.ا
الكتاب: مسالك المعنى - دراسة في بعض أنساق الثقافة العربية
الكاتب: سعيد بنكراد
الناشر: دار الحوار. اللاذقية.2007
يقع الكتاب في 190 صفحة من الكبير
بقلم:أحمد عمر عن الأوان الأحد 2 أيلول (سبتمبر) 2007