قراءة في التقطيع الانتخابي للجماعة الحضرية لتولال طراقي الحسين
يتوخى هذا المقال الانكباب على التقطيع الانتخابي بجماعة تولال لقراءته والكشف عن خلفياته وسلبياته أولا وكذا الإقرار بعدم ملائمته بتاتا مع التغيرات التي عرفتها جماعة تولال من الناحية الديمغرافية أو في إطار التوسع المجالي ثانيا. لذا وجب تجاوزه إلى ما هو أنسب لتمثيلية السكان في إطار التباري الديمقراطي المفروض فيه أن يكون مكفولا لجميع المنتخبين.ا فكما تعلمون, فإن التقطيع الانتخابي – بجانب عمليات أخرى سنشير إليها لاحقا - يعكس بوضوح مستوى الإرادة السياسية المعبر عنها لضمان نزاهة الانتخابات وبالتالي إرساء دعائم الديمقراطية في البلاد, وذلك لكون الانتخابات هي الممر الطبيعي للوصول إلى السلطة وتدبير شؤون المواطنين في البلدان الديمقراطية. وعليه, فإن احترام قواعد اللعبة الديمقراطية يستوجب إحاطة الاستحقاقات الانتخابية بكل الشروط الكفيلة بضمان نزاهة الانتخابات ومنها :ا إ - إسناد مهمة الإشراف على الانتخابات لهيئة مستقلة ت - تجديد اللوائح الانتخابية وعدم الاقتصار على مراجعتها م - محاربة استعمال المال لاستمالة الناخبين ......إ - إنجاز تقطيع انتخابي يوفر تكافؤ الفرص بالنسبة لجميع المرشحين وسنقتصر في هذه الكلمة على التقطيع الانتخابي ببلدية تولال لإبراز فداحة الاختلالات التي تكتنفه، وذلك بخلفية واضحة وصريحة من أجل التحكم مسبقا في نتائج الانتخابات ورسم الخريطة السياسية المبتغاة من طرف السلطة المحلية وفقا لنزواتها وأهوائها خلال الانتخابات الجماعية. وقد كانت هذه العقلية هي السائدة منذ نشأة الجماعة الحضرية لتولال وإلى غاية سنة 2003 على وجه الخصوص.ا قراءة في التقطيع الانتخابي منذ انطلاق ما يسمى ب"المسلسل الديمقراطي" سنة 1976 وإلى حدود سنة 1992 , كانت بلدة تولال تابعة لجماعة عين عرمة التي تضم أيضا دار أم السلطان وآيت ولال وعين عرمة طبعا. وكان المجلس يتكون من 32 عضوا منهم 6 أو 7 أعضاء يمثلون تولال. مما يعني أن هذه البلدة كانت مقسمة إلى 6 أو 7 دوائر انتخابية.ا وفي سنة 1992 , تم إحداث الجماعة الحضرية لتولال وتقسيمها إلى 13 دائرة. وقد نجمت عن هذا التقسيم دوائر غير متوازنة بخصوص المجال الجغرافي ومن حيث عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية. وقد فاقت بعض الدوائر الكبيرة 5 مرات الدوائر الصغيرة على صعيد المقيدين بها. وكان المقصود من إجراءات السلطات المعنية هو إحداث دوائر صغيرة من منطلق التحكم في مصير المجلس البلدي إيذانا ببزوغ عهد هيمنة طرف معين على تدبيره وإن كان هذا الطرف لا يمثل إلا أقلية من السكان. المهم هو الحرص على تمتيع طرف دون غيره بأغلبية أعضاء المجلس حتى يتسنى له الاستئثار بشؤون تسيير المجلس الحضري دون مضايقة تذكر من أطراف أخرى.ا وبمناسبة انتخابات سنة 1997 , أصبحت البلدية مقسمة إلى 15 دائرة استنادا إلى عدد السكان طبقا للقانون 92 – 12 الذي ينص في المادة 28 منه على ما يلي : "يتركب مجلس الجماعة الحضرية أو القروية من 15 عضوا في الجماعات التي يتراوح عدد سكانها بين 12.501 و15.000 نسمة". هذا مع العلم أن ساكنة تولال قد بلغ تعدادها 12.668 نسمة حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 1994 .ا على هذا المستوى، يتطابق التقسيم من الناحية العددية مع القانون المشار إليه أعلاه. لكن هذا التطابق من حيث العدد ليس كافيا لوحده من أجل إضفاء طابع التوازن فيما يخص تمثيلية الدوائر على صعيد البلدية. إذ أن التقطيع يجب عليه أن يراعي المتغيرات المرتبطة بالمساحة الجغرافية وأعداد السكان قصد خلق التوازن المطلوب بين الدوائر الانتخابية. هذا إذا استحضرنا أن المسألة لها ارتباط وثيق بتوفير ظروف تكافؤ الفرص بين المنتخبين من جهة وتمثيلية السكان من جهة ثانية.ا وقد جاء التقطيع المنجز بمناسبة الانتخابات الجماعية لسنة 1997 مكرسا للواقع الموروث عن سنة 1992 ومعمقا لجوانبه السلبية عوض العمل على استدراك الأخطاء السابقة وتعديل التقسيم على هذا الأساس، وذلك من خلال إضافة دائرة ب"التجزئة". فيما تكمن الطامة الكبرى في "تحويل ضفتي زقاق" إلى دائرتين قائمتي الذات ضدا على المنطق والديمقراطية ونزاهة الانتخابات. وهذا الفعل هو ما أعطانا التقسيم الانتخابي الحالي والذي لا يمكن وصفه إلا بالعجيب والغريب وبغير المتوازن أصلا في آن معا. فكيف يمكن للمرء أن يستسيغ – على سبيل المثال – تقسيم زنقة واحدة إلى دائرتين باسم التنافس الديمقراطي والنزاهة في الانتخابات؟ هذا النمودج الفاضح لخلفيات السلطات المعنية ينطبق بشكل أو بآخر على عدد غير يسير من الدوائر الانتخابية. فإذا اعتمدنا على اللوائح الانتخابية لسنة 2007, سنلاحظ أن المسجلين يبلغ عددهم 7965 ناخبا. وبالنتيجة, فإن معدل الناخبين حسب الدائرة هو حوالي 531 ناخبا. وهذا معناه أن التقسيم الجماعي – الذي يتوخى بناء أسس تكافؤ الفرص بين المنتخبين – عليه أن يأخذ بعين الاعتبار معدل المسجلين لتحديد المجال الجغرافي للدوائر بما يتلاءم مع هذا المعطى الديمغرافي. غير أن الجهات المسؤولة عن التقسيم قد اختارت الحل المناقض تماما لمتطلبات التوازن بين الدوائر إن على الصعيد المجالي أو على صعيد أعداد الناخبين. وهكذا، تم – بشكل مخدوم - اختلاق دوائر مكروسكوبية مفبركة على المقاس متساكنة مع أخرى شاسعة وتم توزيع المسجلين كما يلي :ا
كما يتبين من الجدول أعلاه، فإن أعداد المسجلين في الدوائر من 1 إلى 8 هي أدنى بكثير من المعدل الملحوظ في سائر الجماعة ويبلغ مجموع الناخبين بها 2363 ناخبا. وبالمقابل، نجد أن هذه الأعداد تفوق أحيانا بكثير هذا المعدل في الدوائر الكبيرة وتضم ما مجموعه 5602 ناخبا. بل أن الدائرة 11 تمثل 8 أضعاف الدائرة 5 مثلا. وكما يعلم الجميع, فإن الفائز في الدائرة 5 هو من كان يتولى رئاسة المجلس الإقليمي لمكناس وكان يتولى أيضا منصب رئيس مجلس الجهة في فترة معينة. إنها مفارقات دالة ومعبرة في ذات الآن عن نوعية التمثيلية التي يتم تسويقها من لدن السلطة المحلية. فالدوائر الصغيرة "دون المتوسط" كانت تفرز 8 مستشارا جماعيا في الوقت الذي لا يتعدى فيه عدد الفائزين في الدوائر "فوق المتوسط" 7 مستشار جماعي. وبعبارة أخرى, فإن الدوائر التي تضم حوالي 30 % من الناخبين هي التي تفرز الأغلبية في المجلس البلدي في حين لا يتمكن 70 % من هؤلاء الناخبين سوى من تزويد المجلس ب7 مستشارين لا أقل ولا أكثر. إن هذه المعطيات كافية لمفردها للتعرية عن عيوب هذا التقسيم ونزوعاته اللاديمقراطية.ا وفي حالة اعتمادنا على معدل 531 مسجلا في الدائرة، فإننا سنتوصل إلى حقائق مغايرة لما ينزع إليه التقسيم الموروث عن 1992 . وفي هذه الحالة, فإن المسجلين المتواجدين بالدوائر المصنفة "دون المتوسط" لن يكون بمقدورهم انتداب سوى 4 مستشارين جماعيين فيما ستؤول الغلبة للدوائر "فوق المتوسط" التي ستطعم المجلس المذكور ب11 عضو من أعضائه.ا أما إذا اتخذنا كمعيار للمقارنة متغير المجال الجغرافي، فسنكتشف أنه شتان بين الدوائر المكونة من نصف زنقة أو زنقة ونصف إلى زنقتين وبين شساعة الدائرة 2 أو الدائرة 11 مثلا.ا خلاصات واقتراحات فإذن, يكمن جوهر التقسيم المعمول به إلى حدود الآن في بلورة معادلة مؤداها أن تظل غالبية السكان ممثلة بأقلية الأعضاء بالمجلس بينما تحتفظ الأقلية منهم بإمكانية السيطرة على مقاليد تسييره من خلال الحصول دوما على أغلبية الأعضاء.ا هذا التقطيع كان وليد عهد ولى بدون رجعة وكان من المفروض أن تطوى صفحاته منذ الانتخابات الجماعية لسنة 2003 على أقل تقدير. إلا أن الجهات المعنية فضلت الإبقاء عليه دون تغييرات تذكر بالرغم من كونه لا يتيح فرص المنافسة المتكافئة بين المرشحين نظرا للفروقات الكبرى وللمجهودات المتفاوتة التي يفترض أن يبذلها المتبارون على تمثلية المواطنين في كل دائرة على حدة. وهذا ما يدفع المتتبع إلى طرح تساؤلات حول فحوى التمسك بتقطيع انتخابي لا يخدم الديمقراطية في شيء.ا فهل مسألة التعديل تتجاوز ما هو تقني إلى ما هو سياسي؟ كل ما في الأمر هو أن هذا الموضوع قد أصبح مكونا من مكونات الجماعة الحضرية لتولال الخاضعة لتوسع عمراني وسكاني من شأنه قلب المعادلات الموجودة سابقا وفرض واقع جديد لا صلة له بأسباب نزول التقطيع الموروث عن سنة 1997 في ظرفية سياسية مخالفة لما يعيشه وطننا راهنا من حراك اجتماعي وسياسي في اتجاه وضع أسس الانتقال الديمقراطي الحقيقي.ا وبالنظر إلى اختلالاته الواضحة وضوح الشمس، يتعين القيام بتعديل هذا التقطيع وفق رؤية تتجاوز الماضي وتنظر إلى المستقبل من خلال تحديد دوائر انتخابية على أساس متغيري السكان والمجال الجغرافي بما يضفي على الانتخابات طابع التنافس الشريف والديمقراطي, وذلك بمشاركة هيآت المجتمع المدني من أحزاب وجمعيات قصد تزويد التنافس على تسيير شؤون المواطنين بمقومات تكافؤ الفرص بين المرشحين. هذا مع العمل على إيلاء هذا الموضوع الأهمية التي يستحقها - من متابعة وطرح مستمر – من أجل تجاوز رواسب الماضي.ا
تعليقات
ع1- عثمان التولالي
نشكرك أستادنا الجليل على اهتمامك بالموضوع، علما أن مجموعة من الدوائر فصلت على مقاسات أشخاص قي العهد البائد عهد وزير الداخلية الغير المأسوف عليه، خاصة الدائرة 7 التي يكفي 20 صوتا لإنجاح أي موالي للداخلية، لهذا يجب إعادة النظر في تقسيم الدوائر الإنتخابية بتولال