إنريكو ماتي – ملك النفط الإيطالي – اختار أن يكون معاديا للاستعمار. راح يلهب
العالم الثالث ضد الشركات العملاقة المكررة للنفط في العالم «الشقيقات السبع»،
وراح يساند الثوار في العالم ضدها. ساند الجزائريين ضد الاستعمار الفرنسي، وألهب
الشرق ضد الغرب. وهكذا ما إن حلت بداية سنوات الستينيات حتى صار انريكو ماتي
بالنسبة إلى العالم الإمبريالي، الرجل الذي يجب التخلص منه.ا ولد ماتي
يوم 29 أبريل 1906 من أسرة شديدة الفقر، اضطر إلى التوقف عن الدراسة وهو في
الرابعة عشرة ليشتغل في مصبغة. لكنه بفضل نشاطه وذكائه سرعان ما أصبح بعد ثلاث
سنوات نائبا لمدير المصبغة، وبدأ يتسلق الأدراج مهنيا دون أن يتوقف، وهكذا ما إن
بلغ الثلاثين من عمره حتى أسس مصنعا لزيت السمك، ثم مصنعا آخر للمواد الكيماوية. الذي ألهمه الإهتمام بالمواد النفطية.ا أصبح أقوى شخصية في إيطاليا، ينتمي إلى حزب الديموقراطية المسيحية اليساري.ساهم في شبابه بالنضال ضد النازية.ا بعد تحرير إيطاليا
تكلف سنة 1945 بإعادة تنظيم المقر العام لشركة «أجيب» (شركة النفط الوطنية التي
أسسها موسوليني في العام 1929)، في مدينة ميلانو. وهكذا بدأ اهتمامه بالنفط، طور
هذه الهيئة إلى مؤسسة حكومية للنفط ذات سياسة مستقلة، مما أثار في حينه غضب
الاحتكارات العالمية، التي كانت ترغب، بدعم من قوات الحلفاء وعلى رأسها القوات
الأمريكية، في السيطرة على موارد النفط والغاز الإيطالية واستغلالها لصالحها.ا شرع في
التنقيب عن النفط في منطقة كافياغا. ولم يكتفي بالتنظيم الإداري لشركة «أجيب» بل
أعاد إحياءها، غير أن عملية التنقيب عن النفط في منطقة كافيار جعلته يكتشف وجود
كميات هائلة من «الميثان». فما كان منه إلا أن شجع عمليات التنقيب عن «الميثان»
واستخراجه.ا مد شبكة ضخمة
من أنابيب الغاز يبلغ مجموع طولها 4000 كلم، ما مكنه من أن يجعل لإيطاليا بنية
تحتية غازية/ نفطية مدهشة. ولكنه سرعان ما أدرك أن تغذية كل تلك البنية التحتية
والأنابيب تتطلب كميات هائلة من النفط الخام.ا فما العمل
ومصادر النفط في العالم كله، تقع تقريبا تحت سيطرة شركات أميركية سبع يطلق عليها
اسم «الشقيقات السبع»؟. فأعلن الحرب عليها.ا إن هذه
الشركات هي من يحدد، في ذلك الحين، أسعار النفط في العالم وحصص الإنتاج، و تتكاثف
فيما بينها لكي تخنق، من دون هوادة، كل من يحاول كسر احتكاراتها.ا سعى أنريكو ماتي لإقامة تحالف مع دول الشرق الأوسط المنتجة
للنفط ومع الاتحاد السوفييتي من خلال إقامة الصلات المباشرة بين الدول المنتجة
والدول المستهلكة دون وساطة شركات التوزيع الاحتكارية العالمية والأمريكية، وذلك
لتحقيق شروط تجارة عادلة للطرفين، كما اتبع ذلك بإعلان سياسة داخلية للتعامل مع
النفط محليا تقوم على تحديد سعر النفط والغاز داخل إيطاليا كي يظل السعر ثابتا،
رخيصا وفي متناول المستهلكين الوطنيين.ا أعلن ماتي
الحرب على الشركات العملاقة التي تقف بجانبها الدول العضمى. وهكذا نراه طوال عشر
سنوات على رأس البعثة النفطية الإيطالية «ايني» التي أسسها بنفسه لكي تهيمن على كل
ما له علاقة بالنفط في إيطاليا، يخوض حربا مدهشة ضد العمالقة الأميركيين وحلفائهم.
وهو إذ بدأ بخرق احتكاراتهم في إيران، و زعزعة مواقعهم في إفريقيا وفي عدد من
البلدان العربية، وتحدى حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة، مغرقا الأسواق
الأوروبية بنفط رخيص راح يستورده من الاتحاد السوفياتي، ما مكنه من كسر الأسعار
والأسواق. وكان من الواضح أن تلك السياسة الهجومية التي يقوم بها ستؤدي إلى إلحاق
الخسائر الفادحة بالشركات المحتكرة. وأعلنت شركة السوق الأميركية وحدها ذات موسم
أنها خسرت مئات ملايين الدولارات.ا استقبله
الرئيس الأمريكي جون كندي ومنحه دكتوراه فخرية من احدى الجامعات الأميركية.ا السبت 28
أكتوبر 1962 قرب مطار ميلانو الإيطالي، تتحطم الطائرة الخاصة لماتي ذات المحركين
من طراز موراني سونييه 760ب ذلك أن ماتي كان له من الأعداء والكارهين مما
جعل المهتمين يتحدثون عن فرضية اغتيال. فبدأت تلك القضية التي حملت اسم «قضية
ماتي» تشغل الرأي العام الإيطالي أكثر من قرنين من الزمن، وصدرت عنها كتب كثيرة،
كما أن المخرج السينمائي الإيطالي الكبير فرانشيسكو روزي حقق عنها واحدا من أهم
أفلامه «قضية ماتي».ا أشارت
أصابع الاتهام إلى أن الاستخبارات الفرنسية (سديس) قد تكون هي وراء تصفية ملك
النفط الايطالي، للدور الذي لعبه في تزويد جبهة التحرير الوطني الجزائرية بالمال
والسلاح، خلال اندلاع الثورة الجزائرية.ا وهكذا تطفو
على السطح مرة أخرى نزاعات ماتي المعادية للاستعمار أو بالأحرى رغبته في ان تحل
بلاده ايطاليا محل فرنسا في استغلال نفط الصحراء الجزائرية بعد الاستقلال.ا