التبرك
بالماء في الجنوب الشرقي بين الوثنية واليهودية لحسن ايت الفقيه
يعد الماء في الثقافة الصنهاجية
بالجنوب الشرقي المغربي رمزا مقدرا لا مثيل له. ويظهر أن اليهودية الأمازيغية هي
التي أعطت هذا العنصر المكانة الرمزية الثقافية التي هي عليها، الآن، في بعض
الهوامش التي لا تزال تحافظ على المعتقدات القديمة. والمقصود باليهودية الأمازيغية
خليط ثقافي متجانس مكون من بقايا الوثنية الأمازيغية، والديانة اليهودية بما هي
أولى الديانات التي وصلت الجنوب الشرقي المغربي عن طريق الهجرة اليهودية ابتداء من
القرن العاشر قبل الميلاد والتي أسست مملكة تزروت قرب، النقطة العمرانية، التي
أضحت في زمان يصعب تحديده تحمل اسم تزاگورت (زاكورة)، أي الربوة والكدية. ومن واد
الزيتون الذي يسمى حاليا واد (درا) درعة انتقل اليهود إلى سجلماسة ومنها انتقلوا
إلى أعالي زيز ابتداء من القرن الخامس الميلادي حسب تقدير بعض الدارسين. وباختصار،
أينما حل اليهود الذين تمزَّغوا ، ولا نقول الأمازيغ الذين تهودوا كي لا نجر إلى
مدونة الجنوب الشرقي سجالا يصعب الخروج منه بسهولة، بفعل ندرة المادة التاريخية
المصدرية، تظهر المزارات المائية، والنباتية. فاليهود وجدوا أمامهم معتقدات أمازيغية،
فكان لزاما عليهم العمل على تكييفها والمعتقد الجديد الذي حملته هذه الديانة.
وتجدر الإشارة، إلى أن اليهود تشبعوا بالثقافة الأمازيغية يوم إقامتهم في مصر.
وهناك مصطلحات أمازيغية دخلت قاموس العبادات في ديانات التوحيد مثل الصلاة على
سبيل المثال أو (تزاليت) بالأمازيغية والتي لها ارتباط ب(أزال) أشعة الشمس
الحرارية، في منتصف النهار. والصلاة عند الأمازيغ القدماء تقام وقوفا في الزوال
تقديرا للشمس. وتعني الصلاةفي اللغة
العربية الدعاء كما في الأمازيغية، و كانت الصلاة في أول الأمر تقام وقوفا ثم
تعدلت في سنن ديانات التوحيد، فظهر الركوع والسجود. ولا يفيدنا الاسترسال كثيرا في
المفاهيم والمصطلحات التي انتقلت من شمال أفريقيا إلى مصر الفرعونية لتؤثر على
المسيحية واليهودية التي يشكل الإسلام تركيبا لهما وتصحيحا وتعديلا. و يعنينا أن
اليهود وجدوا أمامهم الأمازيغ يعبدون إله أمون إله الماء والخصوبة ويعتبرونه رمز
الوحدة (تمونت) ويستعطفونه في صلاة الاستسقاء ( الثلغنجا) التي لا تزال تقام
وقوفا، مدعمة بالطواف على المقابر في بعض النقط العمرانية. و الهدف من طقس
(الثلغنجا) التحرش جنسيا بالإله أمون بواسطة تمثال امرأة (التلغنجا) ينصب في رأس
قصبة فيدركه إله أمون فيصيح عدة صيحات قوية معبر عنها بقصف الرعد ولمعان البرق.
وفي كثير من الأحيان تحصل العملية في هدوء تام. وفي جميع الأحوال، تظهر (الثلغنجا)
في السماء على شكل تمثال امرأة عروس مزينة تسمى بالأمازيغية (تيسليت أونزار) أو
عروس المطر، وهي قوس قزح المعروف. أنزل اليهود التبرك بالماء من السماء إلى الأرض،
لأن اليهودية تميل دوما إلى إعطاء الطابع الدنيوي للدين. وقد قام القياس في غالب
الظن على سيرة النبي موسى التي ارتبطت بالماء. وكلنا يعلم أن أمه قذفته باليم (
واد النيل )، كما في القرآن الكريم، فألقاه اليم بالساحل ليأخده عدو الله فرعون
كما ورد في سورة طه وفي سور أخرى. وتتكون كلمة موسى من مقطعين اثنين: (مو) تعني
الماء و(شي) تفيد الشجر. وللنبي موسى علاقة بالماء في صراعه مع فرعون مصر
(أخناتون)، في الغالب، الذي قتل غرقا بينما نجا موسى وقومه من اليهود. وللنبي
المذكور كذلك علاقة بالينابع والعيون، ولا غرو، فقد ضرب بعصاه الحجر (فانفجرت منه
اثنتا عشرة عينا)، كما ذكر في سورة البقرة. ولذلك كله نلمس الاحتفالات بالعاشر من
محرم التي تستذكر نجاة اليهود من بطش فرعون تعتمد الرش بالماء وتعتبره و احدا من
أهم أركانها. ونلمس أيضا التبرك بالماء في كثير من العيون بالجنوب الشرقي المغربي،
بحيرة تيزليت، عين تيفيكرة، وحامات مولاي هاشم، وحامات إمغي (مولاي علي الشريف)،
وعين موغل قرب بني تجيت. وللعيون علاقة بكرامات بعض الأولياء الذين لهم ارتباط
بقبائل صنهاجة التي حلت بالجنوب الشرقي المغربي في وقت متأخر لتحمل الموروث
الثقافي القديم المركب من العنصر اليهودي والوثني. ومن العيون المرتبطة بالخصوبة
عين مسكي إو (إمصكي) وهي في الأصل (إمزكي) لأن الزاي أصل حرفي السين والصاد في
الأمازيغية . وإمزكي اسم الفاعل من (توزكت) أي در الحليب، وتفيد إمصكي أيضا نباتا
ذا زهور صفراء. ونشير أن بواد غريس قرية (تيمزكيت) المرتبطة بالخصوبة والحليب قبل
عصرنا حيث استفحل التدهور البيئي. وللخصوبة علاقة مباشرة بإله أمون. وهناك بإملشيل
قرية ألمغو التي تعني مرعى اللبن. وباختصار أضحى المركب الثقافي اليهودي الأمازيغي
والوثني مفيدا للاعتراف بأن بالوسط الذي نعيش فيه تقديرا فائقا للطبيعة مائها
وصخورها وشجرها. فهيا بنا إلى استغلال الموروث الثقافي في إنقاذ المحيط البيئي.ا http://www.atlasoriental.com/?p=526المصدرh