حكاية العواصف السياسية التي عرفها المغرب منذ عهد حكومة امبارك البكاي إلى حكومة عبد الإله بنكيران
يعيش المغرب حالة احتقان سياسي تهدد وجود حكومة بنكيران، لكنها تضع البلاد أمام اختبار عسير، لاسيما في ظل التناحرات والخطب السياسية الحادة والاتهامات المتبادلة والتي لا تزيد جمر الأزمة إلا اشتعالا. ولأن الثقة مفتقدة بين الفرقاء السياسيين، والأزمة الاقتصادية تخنق القائمين على الشأن الحكومي، فإن المرحلة القادمة ستكون الأصعب، لأنها امتحان حقيقي لحكومة راهنت على محاربة الفساد والمفسدين، قبل أن تجد نفسها أمام إشكاية تغيير المنكر بأضعف الإيمان. فجر الزعيم الاستقلالي الوضع وأعلن القطيعة مع الحكومة، معلنا انسحاب الاستقلاليين منها، وهي ورقة سياسية يسعى من خلالها شباط إلى مسح كل النكبات في معطف حكومة تحمل مصباحا وفانوسا ليس سحريا. لكن انسحاب الاستقلاليين من الحكومة ليس أول أزمة سياسية تضرب المغرب، فقد سبقتها العديد من «الزلازل السياسية» التي كادت تحول البلاد إلى «منطقة منكوبة» سياسيا.ا يعرف السوسيولوجيون الأزمة بالحدث العابر والبطيء ثم المتقلب، وعلى امتداد تاريخ المغرب ظلت الأزمات السياسية مرتبطة بأزمات اقتصادية واجتماعية، أو بنهاية عهد دولة سادت ثم بادت، لكن بالرغم من جرح الأزمات الغائر، سواء تعلق الأمر بأزمة هيكلية أو ظرفية، إلا أنها ساهمت بكل تمثلاتها في بلورة المسار التاريخي للبلاد ودفعت بخيار التغيير إلى الأمام وفتحت نقاشا واسعا حول جدوى الإصلاح وإصلاح الإصلاح.ا يرى المؤرخون أن أخطر أزمة سياسية ضربت المملكة تعود إلى القرن السادس عشر الميلادي، والتي أعقبت وفاة أحمد المنصور وما تلاه من انهيار دولة السعديين، بسبب «الاقتتال» على السلطة بين أبناء المنصور وهم: زيدان ومحمد الشيخ، وأبو فارس، وما ترتب عنه من انقسام المغرب إلى مملكتين شمالية عاصمتها فاس لمحمد الشيخ وابنيه، وجنوبية عاصمتها مراكش لزيدان ثم لابنيه. مما فتح الباب على مصراعيه لغزو إسباني لموانئ البلاد. قبل أن يتمكن أبناء الشريف بن علي من القضاء على كل الإمارات التي أنشأتها تلك القوى على حساب دولة السعديين بعد أن أنهكتها الفتن الداخلية بحيث لم تعد تقوى على محاربتها، بل انهارت أمامها نهائيا في سنة 1659. وبذلك دخل المغرب في عهد جديد، وهو الدولة العلوية.ا ضربت عواصف الأزمة من جديد كيان المملكة، خاصة بعد وفاة المولى إسماعيل، وحلت بالبلاد فوضى لم يعرف لها مثيل في تاريخ المغرب، يقول الراجحي: «من حسن حظ النظام لم يبد أي رجل من أرباب الزوايا طمعه في السلطة، لا وطنيا ولا جهويا، إذ ارتبطوا في نشاطهم السياسي بأمراء البيت العلوي نفسه»، مما منح الدولة عمرا آخر، لكن رياح الأزمة عادت من جديد خاصة في القرن التاسع عشر الميلادي، بعد أن منيت المملكة الشريفة بخسائر عسكرية عديدة أمام الفرنسيين والإسبان، اضطرت السلاطين إلى إبرام عقود تجارية مع القوى الغربية، قبل أن يصبح المغرب تحت الحماية ويعيش تحت نير الاستعمار. وحتى وهو ينعم بالاستقلال، فإن الأزمات السياسية لم تراوحه وتصر على زعزعة استقراره، وتجسدت خلال عهد الحسن الثاني في انقلابات كشفت عن شهية معارضي الملك للسلطة ولو بالدم.ا صحيح أن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية غالبا ما تكون مخاضا طبيعيا لأزمات سياسية، إلا أن عامة الشعب غالبا ما تختزل الأزمة في ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، ولا تولي اهتماما للصراعات والسجالات التي تقع في مقرات الأحزاب السياسية، ربما لضعف التأطير الحزبي للمغاربة وعزوفهم عن المشاركة الحزبية وعدم وجود ثقة في السياسيين وفي المؤسسات التمثيلية، من مجالس محلية وبرلمان وحكومة. فالمواطن المغربي طلق السياسة ويرفض الخوض فيها اتقاء شر غارات المخزن.ا سياسيا الأزمة قائمة ولا يمكن نكرانها، والأحزاب تدرك هذه الحقيقة والدولة كذلك لكن العمل لتجاوزها يتطلب عمليات جراحية ربما قد تكون قيصرية، كما قال عبد الهادي بوطالب يوما، «كل جديد يولد من الرحم الاجتماعي يولد بعملية قيصرية، فالقديم يريد أن يتأبد دائما وهو ما يعتبر منافيا للتاريخ والحقيقة والعلم والفقه كذلك فالفقهاء هم من قالوا بأن دوام الحال من المحال». مع بزوغ فجر الاستقلال، كان لابد من وضع هياكل دولة بمقومات حداثية، مستوحاة من نظام فرنسي غادرنا دون أن نغادره، لكن بوادر الأزمة ظهرت مبكرا ولم تمهل الشعب كي يستمتع بنشوة الاستقلال، تطلبت الأزمة تعاطيا نوعيا من قبل القوى السياسية لكن الصراع فاق كل التوقعات، إذ كانت الانطلاقة خاطئة كما يسميها قانون سباقات السرعة، وأخلف المغرب موعده مع التاريخ في مرحلتين سياسيتين هامتين، بعد أن لاحت فرصة إحداث تغييرات في بنية النسق السياسي المغربي، سواء مع حكومة عبد الله إبراهيم، التي فتحت أوراشا كبرى، التي لم يتعد عمرها 520 يوما من العمل الحكومي، أو في حكومة التناوب التوافقي.ا قال الكاتب الخاص لعبد الله إبراهيم، إنه أثناء تسليم السلط ما بين عبد الله إبراهيم المقال وولي العهد الحسن الثاني آنذاك الذي تسلم تسيير الحكومة، سأل الحسن الثاني عبد الله إبراهيم عن مكان وجود الصندوق الأسود ضمن مكاتب ومرافق الوزارة الأولى، فأجابه عبد الله «لا يوجد في وزارتي صندوق أسود». من عبد الله إبراهيم إلى عبد الإله بن كيران، عاشت الحكومات رياحا سياسية هوجاء، اقتلعت جذور الأسس الديمقراطية، وكادت في كثير من المحطات التاريخية أن تحول البلاد إلى منطقة منكوبة بالمفهوم السياسي للنكبة.ا
سقوط حكومتي البكاي وبلافريج
ظلت آثار مؤتمر «إيكس ليبان» الذي انتهى إلى استقلال المغرب، حاضرة في حكومة امبارك البكاي، التي لم تعمر طويلا.ا وفي سنة 1955، سيعقد حزب الاستقلال مؤتمره الاستثنائي الأول الذي عرف مشاركة أعضاء من المقاومة الذين احتجوا على قرار إبعاد الحزب من أول حكومة للاستقلال، حيث لم تسند للحزب الحقائب الوزارية الأساسية. كما تم إبعاده عن رئاسة هذه الحكومة وهو ما انعكس سلبا على قوته التنظيمية، وعلى حجم تواجده بالحكومة.ا لقد كانت الخيبة قد قضت على آمال فترة النضال والكفاح من أجل الاستقلال. لذلك ستسقط هذه الحكومة بعد ثلاث سنوات، خصوصا بعد أن أصبح الخطاب الأبرز هو أن نظام الأحزاب السياسية كأسلوب للتنظيم السياسي والبناء الاقتصادي، باء بالفشل.ا كان لا بد أن يتواجه رجال الحركة الوطنية، وأن يقف البعض إلى صف النظام، الذي لم يكن يرسم خطوطه العريضة غير الأمير مولاي الحسن الذي لم يكن يقبل بمجرد دور ولي للعهد، وهو الذي يعتبر نفسه واحدا من أشد المدافعين عن العرش والذين حققوا الاستقلال. فيما وقف البعض الآخر في صف يعتبر نفسه حداثيا يريد مجتمعا ديمقراطيا يحكم نفسه بنفسه.ا كان الاستعمار الفرنسي أنذاك قد اختار استراتيجية الهروب إلى الأمام من خلال استقلال شكلي ممنوح لضمان مصالحه واستمرارها.ا ستسقط حكومة البكاي الأولى والثانية. وسيعلن عن ميلاد حكومة جديدة يقودها أحمد بلافريج في ماي من سنة 1958 ، وهي الحكومة التي ساهمت في ذلك التصدع الذي عرفه حزب الاستقلال الذي سيجد نفسه منقسما إلى تيارين سياسيين، كان الأول محافظا سعى من أجل الحفاظ على التقاليد المغربية العتيقة، و توظيفها في معالجة المشاكل الإقتصادية والاجتماعية التي تعرفها البلاد. أما التيار الثاني فهو التقدمي الذي ظل يطمح إلى إنخراط المغرب بجدية في عملية إصلاح واسعة للبنيات الاقتصادية العميقة ، ودمقرطة بنياته الداخلية. والحصيلة هي أن معارضة داخلية ستولد لتواجه حكومة بلافريج انبثقت من داخل حزب الاستقلال، وكان يقودها الاتحاد المغربي للشغل بزعامة المحجوب بن الصديق ، وحركة المقاومة و جيش التحرير بزعامة الفقيه البصري. بالإضافة إلى كل من عبد الله إبراهيم و إدريس المحمدي، اللذين لم يشاركا في الحكومة التي شكلها الأمين العام للحزب.ا في 22 نونبر 1958، سيقدم عبد الرحيم بوعبيد استقالته من هذه الحكومة ليتبعه بعد ذلك أحمد بلافريج نفسه الذي قدم استقالته يوم 25 نونبر 1958 ومن ثم استقالة حكومته .ا أدت استقالة بوعبيد وبلافريج إلى دخول المغرب في أزمة وزارية طالت أكثر من شهر، وامتدت من 22 نونبر، تاريخ استقالة بوعبيد، إلى 24 دجنبر تاريخ تنصيب حكومة عبد الله إبراهيم. وقد استغرقت الأزمة كل هذا الوقت نظرا للصعوبات التي واجهها البحث عن حكومة جديدة ، أو إجراء تعديل وزاري. وهكذا فشل مشروع حكومة بديلة برئاسة علال الفاسي، ثم مشروع حكومة برئاسة إدريس المحمدي، لتعود المشاورات إلى نقطة الصفر. وقتها قام شيخ الإسلام محمد بلعربي العلوي، الذي كان وزيرا مستشارا بمجلس التاج، بمبادرة إعادة ربط الاتصال بين القصر وما كان يعرف بالجناح اليساري في حزب الاستقلال، و خاصة في قيادة المقاومة والنقابة. وهي الخطوة التي ستحمل عبد الله ابراهيم لرئاسة الحكومة، بعد أن كان كاتبا للدولة في الأخبار في حكومة البكاي الأولى، ووزيرا للشغل في حكومة البكاي الثانية.ا وفي صباح يوم الأربعاء 24 دجنبر 1958 تم تنصيب الحكومة الجديدة برئاسة عبد الله إبراهيم، والتي ضمت شخصيات استقلالية من الجناح الذي ينتمي إليه عبد الرحيم بوعبيد ، كالتهامي عمار، والمعطي بوعبيد. وأخرى محايدة أو محسوبة على القصر . و قد كان قبول عبد الله إبراهيم لمنصب رئيس الحكومة مرتبطا بمجموعة من الشروط التي وضعها على طاولة المفاوضات، ومنها تمتعه بصلاحيات كاملة للعمل في كافة القطاعات الوزارية، وإعادة ممتلكات عائلة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي ، وتسريع إيقاع جلاء القوات الأجنبية، وتحرير الاقتصاد الوطني.ا
حكومة عبد الله إبراهيم والطابور الخامس
الكثير من الدارسين للتاريخ السياسي المغربي يعتبرون أن نهاية حكومة عبد الله إبراهيم، كانت اغتيالا للديمقراطية التي راهن عليها مغرب الاستقلال، بعد محن المقاومة و الكفاح والتضحيات الجسام. لذلك علق البعض على أن الاستقلال الذي تحقق بصيغة «إيكس ليبان»، كان بداية لمسيرة إحباط تلو إحباط.ا لقد رسمت حكومة عبد الله إبراهيم خطة عمل وبدأت تحقق بعضا من أهدافها، قبل أن يتم إقبارها بتخطيط من الأمير مولاي الحسن، الذي لم يكن يخفي حماسه للحكم. وقد اعترف لعبد الرحيم بوعبيد، وزير الاقتصاد في هذه الحكومة بهذه الرغبة.ا لم تعش حكومة عبد الله إبراهيم أكثر من 20 شهرا، على الرغم من أنها فتحت أوراشا كبرى.ا وسيعترف أحمد رضا اكديرة، الذي كان رجل ثقة الحسن الثاني ومهندس كل المحطات السياسية لبداية عهد الاستقلال، بعد سنوات، أنه تم تشكيل «حكومة ظل» كان يرأسها الأمير مولاي الحسن، وبعضوية آخرين، لتكون موازية للحكومة القائمة آنذاك. ولم يكن هدفها الأساسي غير إسقاط حكومة عبد الله إبراهيم.ا وهي الحكومة التي اصطلح عليها وقتها بـ»الطابور الخامس»، الذي تكون من أحمد رضا اكديرة، وأحمد الغزاوي، وإدريس المحمدي، وامحمد باحنيني وأحمد العلوي، بالإضافة إلى الجنرال الكتاوي والكولونيل محمد أوفقير آنذاك.ا ومنذ الأيام الأولى على تعيين حكومة عبد الله إبراهيم، تشكلت الحكومة الموازية، وكانت مهمتها إسقاط حكومة عبد الله إبراهيم، باستعمال كل وسائل العرقلة والمناهضة والتنغيص والهدم والطعن من الخلف بنصب المكائد ووضع الدسائس. ومما سهل مأمورية الحكومة الموازية، أن ولي العهد الأمير مولاي الحسن كان يشرف على القوات المسلحة الملكية ومختلف أجهزة الأمن والمخابرات، وقد كانت علاقاته متينة مع أغلب المتحكمين في الإدارة، إذ اخترقت صلاته كل دواليب الدولة. في حين لم يكن يحظى عبد الله إبراهيم، رئيس الحكومة، إلا بدعم نسبي جدا من طرف حزب الاستقلال والنقابات والاتحاد الوطني لطلبة المغرب.ا ولم يكن عبد الله إبراهيم يخفي أنه كانت تأتيه أخبار كثيرة، مفادها أن محمد العزاوي، المدير العام للأمن الوطني وقتها، كان يشترك مع مجموعة هامة من المناهضين للحكومة. ولم يكن هم هذه المجموعة غير السعي لإسقاط حكومة عبد الله ابراهيم. وبذلك ظلوا يوزعون الوعود بإسقاطها ولم يكن قد مضى على ولادتها سوى بضعة أسابيع.ا وقد لعبت جريدة «الأيام» الاستقلالية منذ صدور عددها الأول في 3 مارس 1959 مع «الطابور الخامس» دورا كبيرا في إعدام حكومة عبد الله إبراهيم. وخصصت كل صفحاتها الثمانية جميعها، آنذاك، للنيل من الحكومة، بل إن الزعيم علال الفاسي كان يوقع أحيانا افتتاحياتها. لذلك لم يكن غريبا أن تتوقف هذه الجريدة عن الصدور مباشرة بعد تنحية حكومة عبد الله إبراهيم
حل البرلمان وإعلان حالة الإستثناء
حينما تفجرت شوارع الدار البيضاء في 1965، وخرج التلاميذ للتظاهر، سقط القتلى، و امتلأت سجون المملكة بأولائك الذين اعتبرهم الحسن الثاني رؤوس الفتنة، سيعيش مغرب الملك الراحل حالة استثناء بإنهاء العمل بأول برلمان انتخب في أول تجربة بعد الاستقلال. وهي الحالة التي ستستمر إلى أواسط سنوات السبعينيات، مع ما رافق هذه الرحلة من محاولات انقلابية ظلت تستهدف شخص الملك. لقد كانت خمس سنوات من حكم الحسن الثاني كافية ليسقط القتلى برصاص أوفقير، ويزج بالأطفال والتلاميذ في السجون سياسيا، وحركت المعارضة البرلمانية، التي كان يقودها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، حكاية الزي التقليدي الذي كان يرتديه النواب البرلمانيون، وتحديدا ما يتعلق بـ«الشاشية» التي يرتديها النواب البرلمانيون في الجلسات الافتتاحية التي يترأسها الملك، بعد أن اعتبروها رمزا للعبودية.ا وقال الاتحاديون، والملك يستعد لافتتاح جلسات البرلمان، إن ذلك اللباس التقليدي لم يعد مناسبا للمرحلة، لذلك سيتركون الجلباب والشاشية، ويرتدون بذلة عصرية بدون ربطة عنق، لكي لا ينعتوا في المقابل بالبرجوازية الصغيرة.ا كان هذا الموقف وقتها، الحدث السياسي الأبرز الذي غطى على كل ما حملته كلمة الملك في افتتاح البرلمان. وسجل المتتبعون أنها بداية معركة لن تنتهي بين الحسن الثاني والمعارضة، التي كانت قد حاولت إسقاط حكومة احمد ابا حنيني سنة 1964، وهي تنجح في تقديم ملتمس للرقابة، رأى فيها الكثيرون بعد ذلك بداية شد الحبل بين طرفي الصراع حول السلطة: الملك ومعارضته، وهو الشد الذي سيقود إلى انتفاضة الدار البيضاء، وإلى الإعلان عن حالة الاستثناء.ا لم يقبل الحسن الثاني بالأمر. ورفض أن يتابع نواب الأمة الجلسة من داخل القاعة العامة، حيث خصصت لهم قاعة جانبية. أما تبعات كل ذلك فهي أن الملك هدد باعتقال كل الفريق الاتحادي بعد أن «خرج عن ملة الجماعة». ولأن الملك هو أمير المؤمنين بنص الدستور، فإنه مضطر لتحريك قضية الخروج عن ملة الجماعة.ا سنة بعد ذلك، ستشكل دورية أصدرتها وزارة التعليم تلك النقطة التي ستفيض الكأس. وهي الدورية التي راهنت على تقنين سن الالتحاق بالسلك الثاني الثانوي للتلاميذ، الذين يبلغ عمرهم أقل من 17 سنة، وإحالة ما فوق 17 سنة على التعليم التقني، حيث سيرفضها المشتغلون في قطاع التعليم وستدفع التلاميذ وآباءهم للاحتجاج ابتداء من 22 مارس، في مظاهرات سلمية عفوية باغتت الجميع بحجمها واتساعها في كل من الدار البيضاء وفاس ومكناس ومراكش وتاونات.ا كان مبرر الملك هو ربط التعليم بعالم الشغل، الذي كان في حاجة لمتمرسين، أكثر من حاجته لمتعلمين تعليما عاما. أما التفسير الذي قدمته المعارضة، فهي أن تلاميذ المؤسسات الثانوية أصبحوا يشكلون خطرا على النظام لأنهم انشغلوا بالسياسة. سيختار الحسن الثاني الطريق الأسهل حينما سيدخل البلاد في حالة استثناء بحل كل المؤسسات. سيتكفل مستشاره عبد الهادي بوطالب بكتابة خطاب الاستثناء، الذي لم يكن متحمسا له. وسيطلب من عبد الكريم الخطيب إغلاق أبواب البرلمان ومنح مفاتيحه لأوفقير، قبل أن يرفض الخطيب أمر الحسن الثاني ويصبح، وهو ابن القصر، من المغضوب عليهم.ا
حين ردد المحتجون: حكومة المعطي آش عندها ما تعطي
وجد المعطي بوعبيد نفسه، وهو على رأس الحكومة، محاصرا بين مطرقة إملاءات البنك الدولي وسندان سياسة التقويم الهيكلي. في سنة 1983 كان المغرب يعيش وضعا أفظع مما هو عليه الآن، نسبة عجز في الميزانية بلغت حوالي 12 في المائة، وفاقت الديون نسبة 82 في المائة، كما أن الاحتياطي من العملة الصعبة كان في الحضيض، والتضخم وصل إلى حدود 10 في المائة. وهو وضع وصفه الاقتصاديون بالكارثي، لاسيما أن الشعب لا يتحمل أي زيادة في الأسعار، بعد أن انتفض ضد الغلاء في أشهر عصيان مدني في تاريخ المملكة الحديثة.ا لكن قبل هذا التاريخ عاش المغرب وضعا استثنائيا عجل بتعديل حكومي، إذ تكالبت عوامل خارجية وداخلية وطبيعية على تجربة المعطي بوعبيد في الحكومة، فزادت من قساوتها، إذ وجد نفسه محاصرا بسنوات الجفاف التي ضربت اقتصاد البلاد، وساهمت في ارتفاع الزحف القروي نحو المدن مع ما ترتب عنه من انتشار أحزمة الفقر في ضواحي المدن الكبرى، فنبتت مدن الصفيح كالفطريات عند هوامش المدن.ا لم يكن المعطي بوعبيد وهو يحمل حقيبتي الوزارة الأولى والعدل، يعتقد أن غاراته تحت قبة البرلمان، قبل ثماني سنوات من توليه عمادة الفريق الحكومي، حين كان ممثلا للأمة ورئيسا لبلدية الدار البيضاء، واتهامه لحكومة أحمد ابا حنيني بالفشل في تدبير الشأن العام، ستنتهي به في نفس قفص الاتهام ذاته، حين داهمه البرلمانيون الاتحاديون، وهم رفاق الأمس، بأسئلة تحمله سوء تدبير الشأن الحكومي.، حينها ردد خصومه، «باش ما قتلتي تموت». ولأن المعطي كان نقيبا للمحامين بالدار البيضاء فقد تأبط في سنة 1977 حقيبة وزارة العدل، ولم يمر سوى عام واحد حتى تولى الوزارة الأولى، مع احتفاظه بحقيبة العدل، بعد أن طلب أحمد عصمان من الحسن الثاني إعفاءه من المسؤولية الحكومية، حين أصبح زعيما لحزب التجمع الوطني للأحرار.ا عندما اقترح المعطي على الحسن الثاني إسناد وزارة التشغيل لنقابي من قيمة أرسلان الجديدي، لقد كان يعتقد أن ابن دكالة قادر على تدبير ملف المعطلين بروح نقابية، والوقوف في وجه نقابة حديثة الولادة اسمها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بزعامة نوبير الأموي. ذهبت حسابات النقيب عبثا وحصلت مواجهات شرسة بين نقابة الأموي ورفيقه السابق في درب القوات الشعبية المعطي بوعبيد، في يونيو 1981، أو ما بات يعرف بإضراب «كوميرة». وما تلاه من مضاعفات خطيرة نتيجة موقف زعيم الاتحاد الاشتراكي عبد الرحيم بوعبيد الذي عارض قرار الملك الحسن الثاني الرامي إلى إجراء استفتاء في الصحراء، إذ رأى أنه يجب استفتاء الشعب المغربي أولا إن كان يقبل إجراء استفتاء في الصحراء أم لا. ومن نتيجة هذا الرفض الزج بثلاثة قياديين من الاتحاد الاشتراكي في سجن ميسور، وهم الكاتب الأول عبد الرحيم بوعبيد ومحمد لحبابي ومحمد اليازغي.ا فقد المعطي بوعبيد منصب وزير العدل في حكومته الثانية، تحت وطأة غضب الشارع واحتقانه، بعد أن ردد المناهضون الموشح الشهير «آش عند حكومة المعطي ما تعطي». وتبين أن الظرف السياسي والاقتصادي يعادي الوزير بالرغم من التعديلات التي أجراها على تشكيلته. في ظل هذا الوضع المضطرب تناسلت الأحزاب السياسية وكثرت المحاولات الانفصالية على مستوى الأحزاب، حينها غادر المعطي بوعبيد الوزارة الأولى ليشكل حزبا سياسيا اختارت له الداخلية من الأسماء «الاتحاد الدستوري». في مشهد مشابه لخروج أحمد عصمان من الحكومة بعد أن جلس على كرسي قيادة حزب التجمع الوطني للأحرار.ا
ملتمس الرقابة للإطاحة بالحكومة
في سنة 1991 كانت الأجواء السياسية غائمة، مرفوقة بنسبة اختناق عالية، مع تسجيل نوع من التقارب الحذر بين الغريمين التقليديين حزب الاستقلال و الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، انتهى بتعاهد مكتوب يختزل شراكة براغماتية «إما أن نشارك جميعا في الحكومة أو نتحصن جميعنا في المعارضة»، قبل أن تتم صياغة مذكرة الإصلاحات الدستورية، التي دعت إلى تعديل الدستور خاصة على مستوى المؤسسة التشريعية، كما دعت المذكرة إلى تهييئ أجواء الثقة لإجراء انتخابات «شفافة» مع منح كل الاقتراعات ضمانات النجاح والنزاهة.ا ولم تحظ مضامين المذكرة المطلبية برضا الجهات العليا في البلاد، لكنها عبدت الطريق نحو انبعاث الكتلة الديمقراطية، رغم ذلك استقبل قيادات الكتلة، واقترح المشاركة في الحكومة، دون أن يكون الوزير الأول منتميا لها، وهو ما دار حوله نقاش كبير. في ظل «البلوكاج» السياسي، تم التفكير في تقديم ملتمس الرقابة، وهو الملتمس الذي قدم أولا في سنة 1964، من طرف حزبي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والاستقلال، ضد حكومة باحنيني المشكلة آنذاك من «الفديك» المقرب من السلطة، والذي كان يتزعمه صديق الملك ووزير الداخلية آنذاك أحمد رضا اكديرة، وكاد ملتمس الرقابة أن يعصف بأغلبية «مخزنية» لكن التصويت «خان» المعارضة في الأمتار الأخيرة من سباق التغيير، فضاع حلم حل الحكومة، قبل أن يعلن الملك حالة الاستثناء بعد عام.ا الفرق بين ملتمس الرقابة لسنة 1964 وملتمس 1990، يكمن في الاختلاف حول الطرف المستهدف من الملتمس، إذ أن لجوء المعارضة إلى هذا الخيار في منتصف الستينيات يجسد الصراع الذي كان قائما بين المعارضة والحسن الثاني على الحكم، أي أن الاتحاد الاشتراكي تعامل مع الملتمس كورقة استعملت ضد النظام، لكن في ملتمس التسعينيات الوضع مختلف تماما، فالمستهدف هو الحكومة، والحسن الثاني زكى هذا الخيار قبل اللجوء إليه، وهو ما أكده أحمد عصمان رئيس مجلس النواب آنذاك. لأن الأزمة السياسية كانت تفرض تدخلا ملكيا، لاسيما بعد الإضراب العام لسنة 1990 بفاس وحالة الاحتقان التي شهدتها البلاد. لكن الملتمس لم ير النور في إطار صفقة سياسية ستظهر ملامحها في ما بعد. ثمار هذا «الهجوم» أثمرت ميلاد المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وصدور عفو عن كثير من السياسيين. بعد أن قال الحسن الثاني للمعارضة «شكرا الرسالة وصلت».ا
تناوب1993 الذي لم يكتمل
مباشرة بعد استحقاقات خريف 1993، سيغادر عبد الرحمان اليوسفي إلى مدينة «كان» الفرنسية غاضبا من تدخل إدارة إدريس البصري في نتائج هذه الاستحقاقات، على الرغم من كل الضمانات التي قدمتها الإدارة الترابية وقتها، والتي وقعت «ميثاق شرف» بمعية الأحزاب السياسية لتكون المحطة نزيهة. كان لا بد أن يخلو الجو لليازغي، الذي أصبح عمليا هو الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. كانت الأخبار تتداول حكاية التناوب الذي تمناه الحسن الثاني بمشاركة اتحادية واستقلالية. لذلك تحرك الاستقلاليون في اتجاه إقناع إخوتهم بجدوى هذه التجربة التي يريدها ملك البلاد. كان الاتجاه العام وقتها مع تولي امحمد بوستة منصب الوزير الأول في حكومة يكون طرفها الأساسي هو الاتحاد الإشتراكي.ا كان اليازغي متحمسا. وقال للزعيم الاستقلالي محمد الديوري إن الاتحاد مستعد ليوقع شيكا على بياض من أجل عيون هذه الحكومة.ا ومع توالي الأيام، ستصل المفاوضات بين الاتحاد والاستقلال مراحل جد متقدمة. لذلك تقرر أن يعقد اجتماع خاص جدا بمنزل امحمد بوستة، يخصص لوضع اللمسات الأخيرة لهذا التناوب، الذي نادى به الحسن الثاني بحضور كبار الحزبين الرئيسيين في العملية.ا وانطلق الحديث حول عدد الحقائب الوزارية، وأسماء الوزراء التي يقترحها الحزبان. وعن الأحزاب التي يمكن أن تكمل هذه الحكومة من خارج أحزاب الكتلة، التي كان حزب التقدم والاشتراكية لم يلتحق بها بعد. غير أن محمد نوبير الأموي، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي وقتها والذي التحق بالمجتمعين في بيت بوستة، مشروع الوزير الأول في هذه الحكومة، سيقلب كل شيء.ا وجه الأموي لمحمد الوفا، الاستقلالي الذي كان من أشد المتحمسين لهذه الحكومة السؤال عن أية حكومة تتحدثون.ا فكان جواب الوفا «أن هذا الجالس أمامك، وكان يعني امحمد بوستة، هو الوزير الأول المرتقب».ا رد الأموي بعنف. «إذا كان اسمك هو محمد الوفا، وهو مشتق من الوفاء، فليس من الوفاء أن نتداول في حكومة تناوب بدون حضور عبد الرحمان اليوسفي، الكاتب الأول الحقيقي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية».ا تبادل المجتمعون نظرات الاستغراب مما حدث. ولم يتأخر اليازغي في مد يده إلى حقيبته الصغيرة ليخرج منها بيان اللجنة المركزية للحزب الذي يقول بقبول فكرة التناوب التي نادى بها الحسن الثاني، ويقرأ منها الفقرة التي تؤكد على ذلك. وكعادته، لم يتأخر رد الأموي ليقول لرفيقه في الحزب إن بيان اللجنة المركزية مع مبدأ المشاركة، ولا يحدد تفاصيلها. انفض الاجتماع عاصفا بعد أن غادر الأموي، دون أن يتناول جبة الغداء بالكسكس المراكشي الذي كان سيصنع تناوب سنة 1993.ا أما القصر الملكي، فسيصدر بعد ذلك بلاغا يقول فيه إن مفاوضات التناوب توقفت بعد أن رفضت أحزب الكتلة أن يحافظ ادريس البصري على حقيبة وزارة الداخلية في الحكومة الجديدة. وهو البلاغ الذي جانب الصواب، خصوصا وأن امحمد بوستة، الوزير الأول للتناوب الذي لم يكتمل، سيقول بعد ذلك في برنامج «وجه وحدث» الذي كانت تقدمه القناة الثانية، إنه لم يكن لقادة الكتلة أي اعتراض على إدريس البصري. إنها واحدة من الأزمات السياسية التي عرفها مغرب الحسن الثاني. وهي أزمة ستمتد إلى سنة 1998 وحكاية السكتة القلبية التي نبه إليها الملك الراحل، والتي ستحمل عبد الرحمان اليوسفي ليقود أول حكومة تناوب.ا
حكومة التناوب لمنع السكتة القلبية
ارتأى الملك الحسن الثاني أن الوزير الأول الأنسب لقيادة أول حكومة تناوب، هو عبد الرحمن اليوسفي، و تبين له بأن الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، هو الجراح القادر على إجراء عملية استعجالية على جسد منهك مهدد بالسكتة القلبية، ويقتات بقطرات «سيروم» وصفات تقليدية.ا قبل أن ينطلق قطار التناوب الحكومي، أقسم طرفا المعادلة على المصحف، فيما يشبه «التخلي عن ذلك الحاجز النفسي الذي ظل يقف بين ملاكمين، أدركا وهما على حلبة الصراع لمدة أربعين سنة دون أن ينتصر أحدهما على الآخر، أنهما في حاجة إلى بعضهما». بدأت تباشير «النية الحسنة» تظهر بعد عودة الفقيه محمد البصري إلى المغرب، لكن وزير الداخلية القوي أغضب الوزير الأول الذي عاد إلى مدينة كان الفرنسية قلقا من تقلبات المناخ السياسي، لاسيما بعد أن اعترت انتخابات 1993 موجة غش ضدا عن «ميثاق شرف بمعية الأحزاب السياسية».ا قام اليازغي بعملية إحماء استعدادا لدخول الحكومة عبر بوابة التناوب الديمقراطي، ولم يمانع في دعم امحمد بوستة الاستقلالي ليحتل مهمة الوزير الأول، إلا أن المشروع فشل بسبب فيتو نوبير الأموي، لكن القصر كان له تفسير آخر لفشل مخطط التناوب الذي راهن عليه الحسن الثاني، حيث تحدث بلاغ رسمي عن توقف المفاوضات «بعد أن رفضت أحزاب الكتلة بقاء إدريس البصري على كرسي وزارة الداخلية في الحكومة الجديدة».ا فيتو الأموي أخر قطار التناوب خمس سنوات كاملة، قبل أن يعود اليوسفي إلى المغرب ويضع يده في يد الحسن الثاني لإنقاذ البلاد من غيبوبتها، لكن مع التمسك ببعض الحقائب السيادية. وبعد طول مفاوضات ضمت حكومة التناوب 41 وزيرا، مما يجسد لعبة جبر الخواطر وحكاية التوازنات السياسية. ولم تمر العاصفة السياسية مرور الكرام على الاتحاد الاشتراكي، بل انتهت بإنشاء غطاء حزبي لنقابة الأموي وهو «حزب المؤتمر الوطني الاتحادي».ا لم تتمكن حكومة التناوب التوافقي من تلبية طموحات الشعب المغربي، التي راهن عليها لتخليصه من ويلات الفقر، وتبين أن جيوب مقاومة الإصلاح أقوى من نوايا الوزير الأول، الذي وبمجرد ما استنفد ولايته الحكومية (1998-2003)، عين إدريس جطو كوزير أول تقنوقراطي والذي اعتبر تعيينه خروجا عن العملية الديمقراطية.ا
أزمة 2002 ...الخروج عن المنهجية الديمقراطية
شكلت استحقاقات 2002 محطة حاسمة في تاريخ المغرب باعتبارها أول استحقاقات تجرى على عهد الملك الجديد.ا كان الرهان كبيرا للقطع مع كل ممارسات الماضي، وما ظلت تصنعه الإدارة الترابية في مثل هذه المحطات، لذلك خلصت هذه الاستحققات إلى ما يشبه الإجماع حول النتائج التي تحققت، وحول الحياد النسبي للإدارة.ا وعلى الرغم من أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كان يدير شؤون حكومة التناوب، التي انطلقت مع كاتبه الأول عبد الرحمان اليوسفي في 1998، مع ما يخلفه تدبير الشأن العام من تآكل للرأسمال الرمزي للحزب، إلا أن صناديق اقتراع 2002 ستحمل حزب المهدي وعمر إلى الصف الأول. كانت «المنهجية الديمقراطية»، وهي الصيغة السياسية التي أولدها الاتحاد الاشتراكي مع أزمة 2002 قبل أن يتضمنها دستور 2011 بعد ذلك، تعني أن يختار الملك وزيره الأول من الحزب الذي احتل الصف الأول في الانتخابات التشريعية.ا زد على ذلك أن عبد الرحمان اليوسفي، الوزير الأول وقتها، كان في حاجة لولاية أخرى لاستكمال الأوراش التي انطلقت لوقف ما سماه الحسن الثاني بالسكتة القلبية التي قد تضرب البلاد.ا وكان لا بد لهذه الحكومة، التي أفرزتها صناديق اقتراع 2002، أن تتوافق بين مكوناتها وتحديدا مكونات الكتلة مع حزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية. بالإضافة إلى بقية الأحزاب «الوسطى» التي شاركت الاتحاد حكومة التناوب.ا غير أن المفاوضات التي أجراها اليوسفي مع إخوته في حزب الاستقلال، ستنتهي إلى الباب المسدود، لا لشيء إلا لأن حزب الميزان سيطالب بحقه في قيادة الحكومة الجديدة في 2002 بعد أن قادها الاتحاد في 1998.ا وطفت على السطح حكاية «مولا نوبة»، التي قال بها الاستقلاليون الذين رأوا أن من حقهم أن يكون لهم نصيب، أو «نوبة».ا لم تشفع كل المحاولات التي ظل يقودها بعض مستشاري الملك ليتحقق التوافق بين «الإخوة الأعداء». ففي الوقت الذي يطالب فيه الاتحاد الاشتراكي باحترام المنهجية الديمقراطية، التي تعني أنه هو من سيقود الحكومة باعتباره الأول في سبورة ترتيب نتائج الاستحقاقات، يتشبث حزب الاستقلال بحكاية «مولا نوبة». والحصيلة هي أن الأزمة تفشت وعاشت البلاد ما يشبه «البلوكاج» السياسي الذي شكل أول اختبار حقيقي للملك الجديد محمد السادس، الذي لم يكن قد أكمل أربع سنوات في حكمه بعد.ا لم يكن الحل الممكن وقتها غير أن يتوجه محمد السادس إلى رجل تكنوقراطي اسمه ادريس جطو، الذي عينه وزيرا أول دون أن يغضب الاتحاد المطالب باحترام المنهجية الديمقراطية، ولا حزب الاستقلال صاحب «مولا نوبة».ا غير أن هذه الحكومة ستترك داخل حزب الاتحاد الاشتراكي، على الخصوص، الكثير من الآثار السلبية لأنها كانت بداية التصدع الذي لا يزال يعاني منه إلى اليوم
إعصار شباط وحالة الطوارئ الحكومية
لم يجرؤ عبد الإله بنكيران على تغيير نهجه التكتيكي، أو استبدال عناصر الفريق التي عجزت عن مواكبة إيقاع العمل الحكومي، فتعالت أصوات حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، مطالبة بالتعديل الفوري، وقرر سحب عناصره من تشكيلة الحكومة.ا ولأن التعديلات الحكومية تخرج من رحم الأزمات، فإن شباط قد أعلن انسحاب حزب الاستقلال من حكومة بنكيران، ليزداد «خل» الهم السياسي على خلطة الأزمة الاقتصادية، ويدخل المغرب متاهة الاتهامات والاتهامات المضادة بين فصائل حزبية، اختارت التموقع على الرقعة السياسية ببراغماتية عجيبة. في هذه الحالة يمكن أن يحصل الانفراج السياسي إذا استبدل بنكيران، كما يفعل أي مدرب كرة، المغادرين للتشكيلة بأسماء من أحزاب أخرى، أما السيناريو الآخر فيتمثل في الدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة، وهو مطلب حزب المصباح الذي يؤمن بجاهزيته للاكتساح الانتخابي مرة أخرى.ا لكن العارفين ببواطن السياسة، يدركون جيدا أن رغبة شباط ليست هي «إسقاط» حكومة بنكيران، «إنه يريد نصيبا كبيرا من كعكة المقاعد الحكومية، على إثر وعود قطعها شباط على نفسه بعد فوزه في انتخابات الحزب في شتنبر الماضي». كما يسعى للإطاحة بالوزير الوفا، صهر علال الفاسي، نظرا للخلاف الأزلي بين الرجلين. علما أن حزب الاستقلال يشارك بست حقائب وزارية في الحكومة الحالية، أهمها وزارة اﻻﻗﺘﺼﺎد والمالية ووزارة التعليم والوزارة المنتدبة في الشؤون الخارجية، كما يرأس القيادي فيه كريم غلاب مجلس النواب بموجب الاتفاق الذي تم بين مكونات التحالف الحكومي. لكن قصة الانسحاب لم تتجاوز التصريحات النارية لشباط، إذ أن «وزراء حزب الاستقلال المشاركين في الحكومة مدعوون إلى تقديم استقالتهم، بما في ذلك الاستقلالي رئيس مجلس النواب، المنتمي لحزب الاستقلال». عندما فاز حميد شباط على منافسه عبد الواحد الفاسي، في نهاية شهر شتنبر، قال «أنا الآن داخل باب العزيزية، في إشارة إلى انتصاره على خصمه الذي سبق أن شبهه بـ»القدافي»، دون أن يعتبر نفسه زعيما لمجلس انتقالي.ا